مارس 15، 2011

الأسواني: مدفعجي الثورة، وحامل قناني الدم!



في مستهل حرب أكتوبر 1973، وفي الدقائق الأولى، رحل الذل من الجبهة، وقصفت رعود مدافع جيش مصر. أكثر من 1000 مدفع ثقيل تكلمت معا في صوت واحد، في لحن واحد للبطولة والرجولة المصرية، لتقتلع العدو الدنس من أرضنا.
وفي القاهرة الثائرة، وفي مارس 2011، أطلق الكاتب المصري علاء الأسواني 1000 مدفع ليقتلع اللورد ،الذي تولى رئاسة عصابة العدو الداخلي الدنس، من القاهرة، عاصمة الثورة.
كانت ليلة عظيمة أخرى من ليالي القاهرة والثورة.

قدم الشعب طابورا من شهداء الحرية ثم غنى: ارفع رأسك فوق، أنت مصري! لكل مصري أن يرفع رأسه الى الأبد، وأن يودع عبوديته، وأن يتخلص من الذلة والمسكنة، الى الأبد. الى الأبد.

فللانعتاق من العبودية ثمن يليق بالحرية والأحرار، ثمن من دم. وقد قدمه الثوار على المتاريس بسخاء. لن تمح أبد الدهر من عيون المصريين ولا من ذاكرة الوطن هذه الصور الباسمة للملائكة الذين قدموا دمهم قربانا لحرية الشعب المصري كله. ودماؤهم دين في ضمائرنا جميعا، نحن الشعب المصري. سداد الدين: أن نكون أحرارا. أن نمحو العبودية والذلة والمسكنة والخزي والعار من كل نفس ومن كل شبر في أرض الوطن.

 فليسأل كل مصري نفسه: أعبد هو أم حر؟ ماذا فعل ليكون حرا؟ ولماذا يقبل بخنوع العبد أو أشباه العبيد بعد اليوم؟ عبد لاشفاء له، كل من لم تحرك كرامته وعقله كل هذي الدماء، وكل هذه الجرائم من الحكام وعصاباتهم.  في مصر بركان ينادي بالحرية، وبعض الناس لايشعرون ولا يفهمون ويتصنعون الغباء وينافقون أنفسهم ويخدعون أنفسهم. المنافق عبد، وبليد الاحساس عبد، ومن استمرأ خوف السلطان عبد، ومن يحترم الحاكم المجرم السارق عبد، والخائف عبد، والكاذب عبد، ومن لايفكر عبد، ومن يخضع عواطفه لعدوه وجلاديه وسارقيه وقاتليه وخادعيه عبد، ومن لاينصر الثورة عبد.

في مصر الآن أصبح الأمر واضحا وحاسما. فهناك ملايين الناس من الشعب المصري الثائر من أجل الحرية وبناء وطن جديد نظيف مزدهر، وهناك أعداء الشعب، أعداء الحرية، أعداء المستقبل. فأين أنت يا أخي؟ هناك الثورة والأمل، وهناك أعداء الثورة والأمل: فانظر ماذا ترى؟ لامجال للمساومة ولا للحلول الوسط. أنت اما مع نفسك وشعبك، واما مع أعدائك وأعداء شعبك. هذا زمن تحسم فيه المصائر. ولتذكر في كل لحظة أن دين دم غال يسكن في ضميرك، فلا تحب أن تكون خائنا لدم اخوتك.

 الكاتب المصري علاء الأسواني شعر بمجد الدم وندائه كما لم يشعر أحد، فانحنى ليملأ مئات القناني، ملأها بالدم الذي فاض على طرقات المدن، تلك القناني التي صنعتها مصر من بلورات عيونها، وغسلتها بدموع شعبها، ملأها ـ وكانت أيادي الملايين هناك ـ بالدم العزيز لشهداء الوطن، وحمل قناني الدم ومضى ليلقى رئيس القتلة. وكأنه ايزيس تلملم قطرات اوزيريس فيبعث حيا، ليكمل النضال ضد الشرالذي أظلم الوادي.  احتضن الأسواني مدافعه وقنانيه المقدسة وذهب للنزال تحت عيون مصر الحانية والمصممة. متحدثا بليغا هادرا باسم الدم المصري. بصوت الرجال، وهيئة جنود جيش مصر،  الشجعان، السمر.

اللورد  أحمد محمد شفيق أصبح رئيس القتلة. اختاره أكبر لص وسافك للدم في تاريخ حكام مصر قاطبة ـ محمد حسني مبارك ـ ليكون مع عمر سليمان رأسي الحربة في خطته لسحق ثورة الشعب.  هل فكر أحد لماذا اختار حسني مبارك هذا الرجل بالذات في هذه اللحظة من لحظات شؤمه وانهياره؟  مبارك المسعور المرتعد كان يحارب معركة البقاء الأخيرة، ويستجدي ستة أشهر أخرى، ويحشد "خيرة" رجاله لمعركة بقائه هو، وافناء مصر. كان اسم أحمد شفيق على رأس من خطروا بذهن مبارك الاجرامي لهذه المهمة المشئومة.فلماذا؟

 كان مبارك ووريثه على استعداد لدفع مصر بحالها الى الهاوية من أجل انقاذ حياة حكمه. كانا قد جنا فعليا. ولكي يحقق مبارك هدفه المشئوم فقد كان عليه:
1 ـ  أن ينشىء هيئة أركان حرب مصغرة عاجلة لمعركة انقاذ حكمه: ونظن أنها قد تشكلت على الفور من مبارك الأب والأبن وعمر سليمان وأحمد شفيق (وكان مبارك يعمل على أن يكون المشير طنطاوي ضمن هذه الهيئة المشئومة للحرب على الشعب، الا أن القائد العام للجيش المصري أخذ يباعد نفسه بالتدريج وبحذر عن خطة مبارك لسحق الثورة باستخدام الجيش. واذا لم يشرح لنا المشير طنطاوي حقائق ووقائع تلك الأيام الثمانية عشرة فربما يكون علينا أن ننتظر ظهور جوليان أسانج جديدا على مسرح التاريخ ليقدم لنا "ويكيليكس" تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر، لكننا مازلنا نسأل المشير طنطاوي، ابن العسكرية المصرية، أن يكمل تاريخه، وأن يروي لنا الملحمة بنفسه!)
2ـ أن يضمن الولاء التام للقوات الجوية والجيش والحرس الجمهوري وبما يضمن له تحريك قواتهم لتنفيذ أوامر هيئته المصغرة في ارهاب الثوار وسفك دمائهم (وهنا فقد راهن مبارك على دور لشفيق بالذات، وعلى امكانية تأثيره على القوات الجوية، وقد  نجح شفيق على مدى سنوات طوال في استيعاب العديد من عناصر القوات الجوية في شبكة الفساد التي أتاحها مبارك وشفيق لهم في قطاع الطيران المدني وغيره، مما ستكشف عنه الأيام المقبلة، ونظن أن الظهور الاستعراضي الغريب المفاجىء لطائرات سلاح الجو المقاتلة القاذفة فوق ميدان التحريريوم 30 يناير وهي تمرق على ارتفاع منخفض وتصم آذان الثوار، وبما لايعني غير رسالة مشينة من سلاح الجو المصري لارهاب الشعب الثائر، كان له علاقة بنجاح اختراق خاص لمحور مبارك - أحمد شفيق في توريط لسلاح الطيران لايتماشى مع الموقف الحذر المترقب الذي اتخذه الجيش عموما، ومن الواضح أن الجيش قد اتخذ الاحتياطات اللازمة ونجح في السيطرة على سلاح الطيران بعيدا عن عبث شفيق وشركائه، كما أنه من غير المعروف ما اذا كان مبارك قد تمكن من زج شفيق في عضوية المجلس الأعلى العسكري ليحقق له السيطرة أو الانقسام داخل المجلس العسكري. وقد استطاع مبارك أن يظهرفي يوم 30 يناير في اجتماع في مركز قيادة العمليات للقوات المسلحة وهو محاط بالقائد العام ورئيس الأركان ونائب مبارك المنكود عمر سليمان وعدد من قادة القوات المسلحة)
3 ـ تحريك عصابات أمن الدولة في كل اتجاهات العنف والاغتيال والخطف والاعتقال وادارة أنشطة عصابات رجال الأعمال وتوجيه عملائهم في كل جهاز الاعلام في الحملات ضد الثورة وفي ترويج الشائعات وفي تخويف وافزاع الجموع الصامتة من أعمال العنف والسلب وتوجيه العملاء في قطاع الفن وأندية كرة القدم وحشد مظاهرات لتأييد مبارك ودفع عملائهم في الكنيسة وفي الأزهر وفي مجالات مايسمى بالدعاة الدينيين الجدد والتحريض على النزاعات الدينية واستخدام الانترنت... الخ (وهنا فان دور أحمد شفيق كان أساسيا في توجيه العمليات الاجرامية لعصابات أمن الدولة يشاركه مبارك الابن ومحمود وجدي وصفوت الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي وعمر سليمان. واستمر هذا الدور لشفيق بعد الاطاحة بمبارك وحتى تمت الاطاحة بشفيق نفسه. وهنا يجب مساءلة شفيق ومحاسبته عن مسئوليته عن اجرام عمليات جهاز أمن الدولة منذ 29 يناير وحتى 3 مارس 2011)
4 ـ استرضاء الولايات المتحدة (وهنا أيضا فان مبارك قد حاول استرضاء الولايات المتحدة بدفع وجوه مرضية لأمريكا ومطمئنة لها وهكذا جرى دفع شفيق للواجهة بالاضافة الى عمر سليمان)

هكذا ظهر شفيق ليلعب دور رئيس الحكومة وليخدم خطة مبارك لانقاذ رقبته على محاورها الأربعة الأساسية جميعا. مبارك يثق في ولاء شفيق له بما أنه عضو شديد الفساد في نظامه بما لايجعل له أي أمل في دور خارج عصابة مبارك. والواقع أن شفيق قد أخلص لزعيمه ولأستاذه وولي نعمته لأن نظام مبارك الأب ومبارك الابن هو مايمثل قناعته و"ثقافته" ومصالحه بالكامل.

 حين تلا القائد العسكري المحترم محسن الفنجري بيان المجلس العسكري وفاجأنا باللفتة النبيلة المؤثرة التي تليق بالجيش المصري وهو يرسي تقاليده في زمن الثورة، وقام بهذه التحية العسكرية المهيبة المفعمة بالصدق لشهداء الوطن، فاننا صدقناه جميعا ورفعنا أيدينا لنحيي الصدق وحرمة الدم المصري الذي وحدنا شعبا وجيشا في معاركنا مع الأعداء الغزاة على حدود الوطن، كما هو الحال في معركتنا ضد أعداء الشعب في مدننا وقرانا.
     
اللورد شفيق لم يشعرنا على الاطلاق أنه انتمى ذات يوم الى نفس جيش مصر الذي ينتمي اليه الجندي المصري المحترم محسن الفنجري. فبعد الليلة التي حبس فيها العالم أنفاسه وهو يرى بسالة الثوار العزل في ميدان التحرير وهم يصدون هجمات عصابات أمن الدولة التي تتم بالمعرفة الكاملة للسيد رئيس الوزراء، ويقدمون طوابير لاتنتهي من الشهداء والجرحى يخرج شفيق ليعتذر! خسة لامثيل لها: أن تقتل ثم تذهب للعزاء في جنازة من أصابهم غدرك! وتتواصل الجريمة في عز الظهر وتهجم الحيوانات على أجمل شباب وبنات مصر، ويخرج شفيق ليكذب ويقول: لا أعرف من فعل هذا! وأتعهد أن ذلك لن يتكرر. وتتكرر الجريمة، وبعلم شفيق. ويخرج علينا من أدمنوا العبودية للحاكم ليقولوا: والله هذا رئيس وزراء من نوع جديد، انه رئيس وزراء يعتذر! أيها الغافلون، انه يقتلكم ويعتذر، ويقتلكم مرة أخرى ومرات، ويعتذر! يضع حذاءه فوق أقفيتكم وجماجمكم، ويعتذر. والدم المسفوح الذي فاض في الطرقات والميادين والعيون المفقوءة وجماجم وصدور شباب مصر التي اخترقها الرصاص الغادر والحجارة المسنونة والسيوف، كل ذلك يكافىء لديكم اعتذارا كاذبا من هذا الرجل؟ تبا لكم من عبيد! لقد رأى الملايين لأيام وليال مذابح الثوار المسالمين على شاشات التلفزيونات غير المصرية، بينما تليفزيون رئيس الوزراء وصحافته يلوثون شرف الثوار، ويحرضون على قتلهم. أي أن القتل قتلان: قتل بالرصاص، وقتل بحملات الافتراء والتشهير وتلويث شرف الثورة والثوار بالأكاذيب. الشعب المصري يدفع من عرقه ودمه وفقره ودموعه الأموال التي ينهبها شفيق وينفقها على وزرائه وعلى جهاز أمن الدولة وعلى أجهزة اعلامه النجس، فيقتلون الشعب بأمواله ويغتالون شرفه وثورته وكرامته، وينعق شفيق مثل بومة: ارجعوا الى أعمالكم، الطعام سينفد سريعا، وأجوركم لن تحصلوا عليها! هلا قال لنا كم دفع الشعب من أموال لأجهزة البوليس وأمن الدولة وأجهزة الاعلام وكبار موظفي الدولة  منذ يوم 25 يناير فحسب؟ نحن الذين نطعمكم ياسيد شفيق! نطعمكم الشهد، أما أنتم فتطلقون علينا النار، وتطلقون علينا تليفزيون أنس الفقي، وكل عصابات الكتبة في صحفكم النجسة. شفيق يعتذر، لكنه لايقدم اسما واحدا للعدالة من القتلة! يعتذر، لكنه لايقدم استقالته،  حتى بعد أن سمع نفس نداء الملايين الذي أطاح بسيده: ارحل ياشفيق!     
لقد ذكر شفيق وقتها أنه يراقب ثوار ميدان التحرير وأن "رجالته" هناك، وأنه يرى الثوار في مكتبه بالصوت والصورة وكأنه معهم! أي أن جهاز أمن الدولة في كامل لياقته في خدمة شفيق وفي أداء كافة عملياته القذرة، ورغم ذلك فان شفيق لايعرف من الذي يسفك دم الثوار في التحرير وفي كل المدن الثائرة!

ان شفيق يعرف المجرمين، ويحمي المجرمين القتلة. لابد لمصر أن تحاسب شفيق جنائيا على كل العمليات القذرة التي جرت على قدم وساق طيلة فترة رئاسته للحكومة. شفيق مسئول عن القتل والجريمة. لقد قتل شباب مصر. شفيق تآمر ويجب أن يكشف تآمره.
  
نحن لانصدقك يا أحمد شفيق. أنت كاذب وتتستر على القتلة، وتحمي القتلة. ولابد أن تخضع لسيف العدالة.

ذهب الأسواني ليلقى شفيقا وقلبه يتقد بالغضب المقدس الذي يشعر به كل شريف وحي ومكلوم على أرض مصر.  لقد ذهب في الواقع لمحاكمة أحمد شفيق أمام الشعب. وليبلغه أن عليه أن يرحل.

في بداية الجلسة على الهواء، سأل الأستاذ يسري فودة – أحد مقدمي البرنامج – أحمد شفيق سؤالا عميق المغزى ومباشرا: "سمعنا من الفريق شفيق أنه يتبنى ثورة مصر التي بدأت بنواة شباب مصر ثم  شملت قطاعات مصر من أقصاها الى أقصاها. أريد أن اسأل: هل هو فعلا من داخله يريد لهذه الثورة أن تبلغ ماتطالب به حقا، مطلبا مطلبا، حتى تنتقل مصر الى عهد حقيقي جديد؟"

أجاب شفيق: "الثورة تعني تطور مصر، يبقى وأنا مغمض لازم أكون ثورة، تطور مصر، ماتحتاجه مصر، مؤكدا يعني"

هذه بالنص طريقة رئيس الوزراء في الكلام، ومعرفته بالألفاظ والمعاني واللغة العربية أو العامية، ، ومدى علاقته بالفكر والثقافة والفهم، هؤلاء الناس يذكروننا بالمرحوم يونس شلبي وبالانزعاج الشديد لسعيد صالح وهو يتمنى سماع جملة مفيدة، والأهم من كل ذلك طريقته في الكذب المفضوح. شفيق في هذه المبارزة يعلن "وأنا مغمض لازم أكون ثورة"

 عجبا أيها الفريق السابق! وماذا يكون الأمر "وأنت مفتح" ياسيد شفيق؟ اجابة شفيق "وهو مفتح" رأيناها على الهواء من قناة السيد البدوي في مقابلته مع اثنين من موظفي البدوي بالتحديد في يوم ثلاثاء الغضب 1 فبراير 2011، قبل 10 أيام من طرد مبارك، وقبل 30 يوما من سقوط شفيق النهائي أمام منطق الأسواني الصارم.
قال المذيع لشفيق: "نودي بجمعية وطنية لاعادة صياغة الدستور المصري".
قاطعه شفيق متعجرفا ساخرا وهو يقول:"أنا باسأل سؤال ... ايه الحاجات الثورية دي يعني؟ طيب ماينادي بقى بثورة." وبادره المذيع الشاب: وماذا تسمي مايحدث في ميدان التحرير ومحافظات مصر الآن؟
فأجاب السيد رئيس وزراء مصر بارتباك وهو يبذل قصارى جهده البائس كي يبدو مثقفا: " تعبير حاد عن الرأي العام في شكل جماعي .. انت عايز تسميه ثورة .. مش ثورة طبعا... لا .. لا .. مش ثورة طبعا .. مش ثورة ..ثورة يعني على غير ارادتك باجيبك باشيلك باحط ده هنا باجيب ده هنا وبااعين ده هنا وباطرد ده .. دي ثورة.. الشعب 100 الف واحد 200 الف واحد .. أيا كان العدد .. بيعبروا عن رأيهم أو رأي آخرين .." هذا ماقال شفيق في اليوم الثامن للثورة.
تعريف الدكتور شفيق للثورة هو فتح في مجال علم الاجتماع وعلم التاريخ، وعلم سقوط الأنظمة والحكام.

بعد 30 يوما قال شفيق انه "وهو مغمض لازم يكون ثورة. مؤكدا يعني" رغم انها "مش ثورة طبعا". من يكون هذا الرجل؟ من اين أتى هؤلاء الناس الينا؟ أهؤلاء حكمونا؟ ويريدون أن يستمروا في حكمنا؟

يبدو أن الثورة عند شفيق هي فحسب ماقالوه له وهو طفل في مدارس الجيزويت. المقصلة. قطع الرقاب وبحور الدم. غير ذلك، فهي لعب عيال. هايد بارك وبون بون يطلبه شفيق للهايدباركيين من القائد العام للقوات المسلحة. ولا ندري كيف استمع الرجل الجالس في رئاسة المجلس العسكري لهذا الهزل من رجل في السبعين من عمره  ثم أصر أن يستبقيه رئيسا للوزراء لمدة 20 يوما كاملة، منذ يوم سقوط القائد الأعلى، وحتى غداة مبارزة الأسواني؟ استبقاه القائد العام رغم كل نصائحنا واحتجاجنا لديه ولدى المجلس العسكري، أن أزيحوا عنا هذا الرجل وحكومته، انه يشبه تماما مبارك وعمر سليمان، نفس الغباء، نفس الجهل والعجرفة والادعاء، نفس احتراف الكذب وعداء الشعب واحتقاره.  

في 1 فبراير على قناة الحياة شاهدنا وسمعنا مايلي من تصريحات شفيق و"هو مفتح" قبل أن تعميه الثورة، ويكمل الأسواني على حواسه كلها:

"في تشكيل الوزارة، منهجي اللي تلقيت به تلقين واضح من السيد الرئيس: رجال الأعمال، طبيعة ظروفهم، لم نر حاليا انه نموذجي انو رجل أعمال مسئول في شغله ويمارس العمل العام. الاخوة رجال الأعمال مهما كانوا أنجزوا، يمكن لو ماكانوش مشغولين بأعمالهم كان الانجاز حيبقى أكبر."

"أقسم لك بالله، أنا لاأعرف اذا كان وزير الاعلام رجل أعمال ولا لأ."

"أحمد زكي بدر رجل غاية في النزاهة والأمانة والاخلاص، لكن طبيعته فيها شىء من الحدة ... أمانة واخلاص 10 على 10. أمانة مطلقة ومفيش أغراض. ... محتاج أقعد على ايده سنة لما أظبطه في الناحية دي" ... "أقسم لك بالله أحمد زكي بدر انسان نقي جدا وعلى علم، وكويس جدا، لكن ماعندوش ملكة التعامل مع الناس، فأنا با أصالح الناس رحت مستبعد زكي بدر"

"عيشة عبد الهادي أنا أقرب ليها وشايف اذا هي سبب الاعتصام ولا فك الاعتصام..أنا اللي أحسها أكتر من الناس"

"سامح فهمي ايده مغلولة، الأسعار تزيد في العالم ... وتضاف أعباء على وزارته ... الراجل عامل أداء وكله" (تجاهل شفيق تماما سؤال المذيعة عن مسئولية سامح فهمي في صفقة الغاز مع اسرائيل، وكأنه لم يسمعها. بعد أيام أطاحت الثورة "اللي مش ثورة طبعا" بسامح فهمي، ووجد سامح نفسه أمام النائب العام ضمن طابور من زملائه، وهناك اعترف بأن مافعله في شأن غاز سيناء المصري انما تم في اطاراتفاقية كامب دافيد بملحقها الثالث)  

"أحمد ابو الغيط رجل مصري للنخاع ... أحمد أبو الغيط دائما مصر مصر مصر مصر. مفيش حد آل مصر مصر في صيغة حديثه أكتر من أبو الغيط"

 سأله المذيع عما اذا كان ممكنا في اطار حكومة وحدة وطنية أن يستعين بوزير من خارج الحزب الوطني؟
أجاب شفيق: " المنهج ده مش معمول بيه في العالم ... ياتعمل حكومة ائتلافية بقرار واضح المعالم لأن مفيش حزب لوحده نسبته تشكل حكومة ... من غير المنطقي عمل حكومة متخلطة بنسبة ما وانت عندك..." ولم يكمل الجملة!

فسأله: مارأيك في مطلب اعلان الرئيس مبارك عدم دخول الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
أجاب شفيق: " ... مش من حق حد انو يحجب على حد في ترشيح نفسه ... انت مالك ... اتركني للترشيح وقول لأ.
سألته المذيعة: هل ينطبق هذا على السيد جمال مبارك؟
أجاب: على أي حد! هذه أمور الحماس يسيطر عليها ومش حق ولا منطق ... مفيش في الدستور انه قرابة من درجة كذا مايرشحش نفسه بعديها ... مش وارد ... لما فلان يترشح قولي آه أو قولي لأ  وخلاص ... احنا بنتكلم دستور بقى ... والله ما أقصد سين أو صاد أو ده أو ده ... عشان نبقى مثقفين .. ونكون بنتصرف حضاري ... أنا موش عايز كروس (شطب) .. عايز صح.."
قال المذيع أنه تلقى خبرا عاجلا يقول أن مبارك سيتحدث بعد ساعات معلنا عن تنازلات جديدة؟
علق شفيق: "تسمية تنازلات دي لاأحبها"
يقال أنه سيعلن عدم ترشحه مرة أخرى للرئاسة؟
أجاب: "والله لاأعرف ... وحضرتك لا يمكنك أن تقول لأحد لا ترشح نفسك ... ما تنتخبوش"
كم في المائة اخترت من الوزراء؟
"95 في المائة وال 5 في المائة لو خيرت لاخترتهم "
هل عرضت الوزارة على رشيد وغالي؟
"أتحفظ في الرد"
من الذي اختار وزير الداخلية؟
" أنا "
وقد سأله المذيعان كذلك عن أمور أخرى من بينها البطالة وحكم المحكمة بفرض حد أدنى للجور وعن امكانية دفع اعانة بطالة وعن بيان حكومته وعن حل مجلس الشعب، وبوسع القارىء ان اراد أن يعود الى التسجيل الكامل على يوتيوب ليجد ان اجابة شفيق على كل هذه الأسئلة كانت: لا أعرف!

نحن اذا أمام رجل كأنه صنع بطريقة استنساخ النعجة دوللي من مبارك. مبارك مستنسخ على هيئة شفيق. رجل يتحدث عن نخاع أبي الغيط، وتفكيك عيشة للاعتصامات، ونقاء زكي بدر، وتلقين مبارك له، وسامح المغلول، وحق ومنطق ودستورية ترشيح مبارك وترشيح ابن مبارك للرئاسة، ويتهكم على الثورة ويعاديها، ويعلن أن الحزب الوطني حزب اغلبية ولا يحتاج لعمل أي ائتلاف فذلك ضد المعمول به في العالم ... الخ

هذا الرجل الكارثة نصبه مبارك رئيسا لوزراء مصر. وهذا مفهوم، فالرجل دائما يأتي برجال على شاكلته ومقاسه. فلما رحل مبارك "كش مات" كان الدور قد انتهى، وسقط معه وزيره وأفياله، فكيف تصور المجلس العسكري أن قطع الشطرنج هذه ليست مجرد جثث للدفن العاجل؟ انتهى عصر مبارك، فهل راى المجلس العسكري في شفيق رجلا لكل العصور؟ وهل رأى شفيق في نفسه بهلوانا لكل العصور؟ رجل بهذه المواصفات والعقلية والانتماء هل يمكنه أن يكابر أو يمكن لأي احد أن يكابر به ويستثنيه من الدفن في مقبرة مبارك؟ كلهم ماتوا وأصبحوا جثثا، فكيف يصر المجلس العسكري على أن يمدد هذه الجثث على وجه مصر الذي يشرق؟

في ليلة القاهرة 2 مارس، شاهدنا المبارزة على قناة اون تي في. بدا الأسواني وهو الكاتب والطبيب المدني كقائد عسكري من جيش مصر النبيل، صلبا وقويا ونبيلا وشجاعا ومقاتلا، بينما بدا شفيق وهو القائد العسكري والطيار السابق، ناعما ورخوا ونصف ثمل، تتكسر اللغة والكلمات على شفتيه، مخادعا ومداورا.

وأتصور أن الأسواني قد أجاد تماما عرض القضايا الأربع التي جاء ينتصر لها:
1 – التقاليد التي يجب أن يحرص عليها الناس في أمور الحكام ومناصب السلطة. وهنا لايمكن للشعب أن يقبل رئيس وزراء ولا أي مسئول يفرض عليه أويخالف ارادته. كما أن شفيق رجل عبر عن نفسه علنا بالقول وبالفعل بما يناقض ويعادي كل مبادىء وتطلعات وأهداف الأمة التي عبرت عنها منذ 25 يناير، وكان عليه أن يرحل من تلقاء نفسه يوم رحيل مبارك.
2 -  مسئولية شفيق في سفك دماء المصريين. فالمصريون قتلوا بالمئات وجرحوا بالآلاف، وشفيق في موقع رئيس الوزراء، دون أن يحاول حمايتهم وأن يتدخل ضد المجرمين والقتلة. كما أنه أهمل اهمالا جسيما ومشبوها في اتخاذ الاجراءات الفعالة لتحديد الجناة وتقديمهم للعدالة العاجلة وبما يطرح شبهة التواطؤ والتآمر من جانب رئيس الوزراء.

3 – مسئولية شفيق عن حماية جهاز أمن الدولة الذي يطالب الشعب بحله، بعد أن تحول على مدى عشرات السنين الى جهاز اجرامي وتخريبي يعمل ضد مصلحة الوطن والشعب، واستمرار حماية رئيس الوزراء لهذا الجهاز تعني مسئوليته عن كل العمليات الاجرامية والقذرة التي مازال الجهاز يقوم بها. وكذلك مسئولية رئيس الوزراء عن استمرار اختفاء وظائف الأمن العام منذ توليه لمنصبه.

4 – أن تقوم العلاقة بين الحكام والشعب على أساس الندية والمساواة والاحترام. وقد قدم الدكتور علاء الأسوني مثلا عمليا في صون الكرامة و في الدفاع ضد كل صور الغطرسة والعجرفة والاهانة والقهر والخداع والمناورة والمداورة التي أبداها شفيق، مما اعتاده الحكام وموظفي السلطة في مصر.

وأود مواصلة شرح هذه الاستنتاجات من تلك المناظرة في وقت لاحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق