مارس 25، 2011

السؤال الأريب، للدكتور وحيد


السؤال الأريب، للدكتور وحيد
كتب الدكتور وحيد عبد المجيد مقالا في عدد 25 مارس 2011 للمصري اليوم، عنوانه: "هل كان الاستفتاء ضروريا؟" والدكتور وحيد يحمل على كتفيه واحدا من أنشط الأدمغة السياسية التي أفلتت من "تجريف الحياة السياسية" حسب تعبير الأستاذ هيكل.
وفي الواقع فانني أستطيع أن أعدد في مصر الراهنة أسماء مئات ممن يحملون رؤوسا سياسية ذات قيمة، على ا لرغم من العملية الاجرامية التي استهدفت الحريات ونجحت في تحقيق هدفها في قتل حيوية الحياة السياسية المصرية التي تساوت فيها نظم حكم عبد الناصر والسادات ومبارك.
السياسة لكي تكون حية وفاعلة في أي مجتمع فلابد أن تكون الحريات السياسية الأساسية مضمونة ومقدسة ومصونة بالدستور والقانون والممارسة الفعلية. هذه الحريات هي:  1 - حرية التفكير ( بما في ذلك حرية العلم والمعلومات وحرية الابداع وحرية النقد) 2 – حرية التعبير ( بما في ذلك حرية الكلام وحرية كافة أدوات ووسائل التعبير والاتصال كالصحافة ووسائل الاتصال الجماهيرية كالتليفزيون والاذاعة وحرية المطبوعات والنشر وحرية الانترنت والحريات الجماعية كحرية الاجتماع وحرية التظاهر والاضراب وحرية التصويت) 3 – حرية التنظيم ( بما في ذلك حرية تأسيس ونشاط وحركة الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات ومراكز الابحاث والدراسات وحرية الجامعات في تنظيم نفسها وضمان حرية مؤسسات لها طبيعة خاصة كالأزهر والكنيسة والبرلمان والقضاء وهيئات الحكم المحلي)
يعرف المصريون كيف استخدم حكامهم وسائل لا مشروعة بلغت حد الوحشية والهمجية لتحطيم هذه الحريات وتحطيم الأحرار وتحطيم العقول الحرة وشطبها من حياة مصر. عبد الناصر، ذلك السياسي الوطني المصري الطموح، اعتقد أن حماية مشروعه الوطني تستلزم خنق هذه الحريات، فخنق الحريات والأحرار، حتى قتل مشروعه الوطني نفسه وحوله الى أنقاض حزينة. السادات، ذلك السياسي المغامر والمقامر واصل المهمة المشئومة لخنق الحريات لكي يمرر ويفرض سياسته التي أدت الى الاضرار البالغ بالمصلحة الوطنية المصرية. ومبارك، ذلك السياسي بالصدفة، والذي يحتل مكانه في التاريخ الطويل لحكام مصر بوصفه واحدا من أقل الحكام كفاءة ومن أقلهم نزاهة وأمانة، كان لابد له لحماية ضعفه والتستر على مخازيه وانعدام أمانته، أن يصل بالدولة البوليسية الى أبشع مراحل بطشها بالحريات.
كلهم خنقوا الحريات وفي النهاية تسلم البوليس والفاسدون والمرتزقة مفاتيح مصر. لقد تسببوا في اصابة جسم الوطن اصابة جسيمة، لكن الحرية لاتموت. ربما يموت الأحرار على أيدي البطش، لكن أفكارهم لاتموت. والحرية تقاوم أشد الطغيان مادامت هناك حياة ومادام هناك وطن ومادام هناك شعب.
 صوت الحرية والمقاومة لم يخرس في مصر: كيف ظهرت "كفاية" في شوارع القاهرة في عز ظلام مبارك؟ كيف لم يستطع الطغاة أبدا أن يخرسوا صوت محمد حسنين هيكل، رجلا وكهلا وشيخا، يقول مايراه من أجل بلاده، اختلفنا معه أم اتفقنا، فهو في كل الأحوال عقل مصري باهر مستنير متحضر؟ كيف ظهرت الأصوات الباسلة لمقاومة مبارك مع صحفيين وكتاب مثل علاء الأسواني و ابراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل ومحمد أبو الغار و محمد سيد سعيد وعشرات المدونين؟ كيف سطرالأسواني حروف أدب المقاومة في رواية "شيكاجو"؟  وكيف أبدع يوسف شاهين ويسري نصرالله وخالد يوسف وداوود عبد السيد وغيرهم سينما المقاومة؟ كيف جاء الى بلاده من بعيد المواطن المصري محمد البرادعي، وهبط بالوادي، يبشر بالحرية القريبة، ويرفع راية أخرى لمقاومة الطاغية وحكمه، ينادي الشباب ويستمد منهم الأمل؟ ثم كيف نفذت ثورة ملائكة يناير من ذلك الثقب في جدار الطغيان: ثقب الانترنت والفيسبوك؟ الانترنت أداة حديثة للتعبير، لم يستوعبها الحاكم الهمجي وبوليسه، تدفقت من خلالها الافكار والآمال، عشرات فمئات فآلاف فمئات آلاف .. ثم .. ياالهي .. قفزوا من أمام شاشات الكومبيوتر كأطياف الملائكة الى حواري عشوائيات بولاق والمطرية والاسكندرية والسويس .. فاذا بالملايين تسد عين الشمس .. فاذا القيامة المصرية قامت! نعم .. فالثورة عيد الفقراء .. والثورة قاطرة التاريخ! ملايين الفقراء تصحوعلى السياسة وعلى نداء الوطن ونداء المستقبل. يصنعون من أنفسهم قاطرة تجر مصر وتعيدها الى مسار تاريخ الحضارة والكرامة. وحين أدرك الحكام الهمج أن الانترنت لم تكن عبثا، أغلقوها، فكانو كمن يغلق الباب على اصبعه. كان الشباب قد هجروا كومبيوتراتهم بالفعل، وذهبوا حيث الشعب.
أردت أن أقول، أن العقل السياسي في مصر، وخصوصا العقل المنتمي لثقافة الحرية، هو أحد كنوزها التي لم تفقدها. لقد قتلت الديكتاتورية حيوية الحياة السياسية في مصر لستة عقود كاملة، لكن عناصر هذه الحيوية السياسية، بل عناصر الحيوية والعافية المصرية الشاملة، هي اليوم أضخم بما لايقاس من حيويتها قبل حريق القاهرة. مصر تحتاج الى حرية التعبير وحرية التنظيم وبعضا من الوقت. ستستعيد مصر عافيتها وتنهض. فسلام عليك مصر يوم تبعثين، ويوم تنهضين.
وأعود الى الدكتور وحيد وسؤاله الأريب، والرياضة الذهنية التي قام بها ليخمن دوافع المجلس العسكري لجر مصرالى استفتاء لالزوم له. لقد افترض فكرة المؤامرة من قبل الجيش بغرض تمشيط الواقع السياسي بعد الثورة ثم استبعد هذا الافتراض. ثم افترض أن الجيش ربما كان يبغي "تجنب حدوث انقسام حاد على القواعد المنظمة للعملية الانتخابية وترتيباتها الاجرائية" ورأى وحيد أن هذا افتراض له وجاهته، لكنه لايكفي كبرهان لضرورة الاستفتاء، فمن وجهة نظر وحيد أنه كان من الأفضل اذا أن يكون الاستفتاء مرة واحدة على الاعلان الدستوري الجديد متضمنا قواعد الانتخابات واجراءتها الى جانب المواد الأخرى التي يشملها. لكن وحيد يعود ليفترض أن المجلس  العسكري لم يأخذ بالترتيب الأفضل – أى اجراء استفتاء مرة واحدة على الاعلان الدستوري الثاني في عمر المجلس -  لأنه افترض امكانية رفض الاعلان الدستوري وهذا يؤدي الى "ان رفض الإعلان الدستورى فى استفتاء عام عليه، لابد أن يطيل المرحلة الانتقالية التى يسعى القائمون عليها إلى تقصير أمدها. ولعل هذا هو ما جعل استفتاء غير ضرورى وجوبيا لديهم، ودفع إلى تفضيله بالرغم من أن استفتاء على الإعلان الدستورى فى مجمله هو الأفضل." لكن الدكتور وحيد لايقول لنا لماذا لم يفترض الجيش أن تأتي نتيجة الاستفتاء بالرفض لتعديلات لجنة البشري؟ ان مثل هذا الافتراض كان من شأنه وضع الجيش في نفس الموضع اذا ماتم رفض الاعلان الدستوري الثاني. الا اذا كان الجيش مطمئنا لنتيجة الاستفتاء على تعديلات البشري مسبقا، أو يرجح أنها ستكون بالقبول. فمن أين للجيش بهذا الاطمئنان أو الترجيح؟
تظل هذه الافتراضات ، فيما يبدو، خارج السياق الحقيقي للأمور. فما نلاحظه هو أن تفسير لجوء الجيش  الى عمل استفتاء لا لزوم له، هو نفسه مايفسر جملة من المواقف والقرارات وأحيانا اللاموقف التي نرى عليها المجلس العسكري منذ أسقط الشعب مبارك.
الجيش النظامي مؤسسة بيروقراطية في التنظيم والأداء، تقوم على الصرامة والطاعة والانضباط، وتمارس عملها وهي منعزلة في أماكن خاصة بها، وتميل الى المحافظة في التفكير. وقد تم استدعاء – نحن الذين استدعيناها - هذه المؤسسة دون توقع أو استعداد أو تجربة أو خبرة للتعامل مع وضع ملتهب بالغ التعقيد. مبارك طلب من الجيش أن يضرب الشعب، والشعب، وقد قامت قيامته ليطرد مبارك، طلب من الجيش أن يكون له سندا. وكانت الكلمة العليا كما رأينا "للوطنية المصرية"، فاصطف الجيش خلف الشعب، وأيد المطالب المشروعة للشعب، وسانده في طرد ميارك، وأدى التحية العسكرية لشهدائه.
قبل 25 يناير لم يكن الجيش من المطالبين بطرد مبارك، بل لم يكن في صفوفه من يتصور ذلك.  أما على جانب الشعب، فقد هناك كثيرون يطالبون بطرد مبارك، ويشتبكون معه ومع نظامه، ويحلمون بالثورة. وحين تدفقت سحب الملايين، أطلقت قذيفة جبارة عابرة للعصور، وسجلت القذيفة الجديدة تحت اسم: ارحل!. أتصور أن الجيش كان مأخوذا بالمشهد الرهيب لهذا الشعب الذي يعيد التعرف على ذاته كشعب كريم، وعلى ذاته كقوة لاتقهر، وعلى ذاته كصانع للتاريخ وللوطن، وعلى ذاته بوصفه أبا وأما للجيش. الجيش من صنع الشعب، خلق ويحيا من دماء الشعب ومن عرق الشعب. وهو أيضا من دموع الشعب وأحزانه، وهو من فرحة الشعب وانتصاره وفخره. انكسر الجيش، فأخذه الشعب المصري من ساعده، واعاد تعليمه وتربيته، ومنحه قوته وزاده ودمه واغنياته واشعاره وثقته في الرجال المصريين، ورسخ في ضميره من جديد كلمة سر مصر: "الوطنية المصرية"، ودفع به ليقتحم القناة، فاقتحمها.
لايمكن أن يظهر محمد برادعي من صفوف هذا الجيش، أويحط الرحال في معسكراته بعد طول سفر، ويدعوه الى الثورة على حاكم فاسد يدمر الوطن تحت ناظريه. والجيش لايمكنه أن يقدم لوطنه حركة كحركة "كفاية" أو "6ابريل". ولا جنرالا للقلم كعلاء الأسواني أو ابراهيم عيسى، ولا محاربا قديما مجربا كالأستاذ هيكل، ولا كليما لأرض مصر كجمال حمدان، ولا مؤرخا مجيدا لوطنه وقاضيا عادلا كطارق البشري، ولا صوتا لشمس الأصيل كأم كلثوم، ولا من يعيد الروح كتوفيق الحكيم، ولا سندبادا مصريا كحسين فوزي، ولا ينبوعا للثقافة كلويس عوض، ولا من حكى حكايات الوطن وكفاح طيبة كنجيب محفوظ، ولا من وضع اصبعه على سر أسرار الزمن والمادة كأحمد زويل، ولا من كتب اسم بلاده فوق القمر كفاروق الباز، ولا من يعرف النيل والصحراء ومكامن الثروة في مصر كما يعرفها رشدي سعيد، ولا من تدرك القانون والدستور ومقتضيات المرحلة وحاجات الشعب كما تدركها تهاني الجبالي، ولا من تكتب بمداد من عطر زهور البرتقال في حدائق بلادي كأهداف سويف، ولا من غنى بلادي كسيد درويش، ولا من نحت نهضة بلادي كمحمود مختار، ولا من اطلق العلم كالماء والهواء كطه حسين، ولا من جعل من القانون شريعة كعبد العزيز فهمي والسنهوري، ولا من جعل من أشعار مصر قبلة كشوقي وحافظ وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وأمل دنقل، ولا من أضاء قنديل أم هاشم، روح الوطن الحنون يحيى حقي، ولا عالما ثائرا وعلما للفقراء كعبد العظيم انيس، ولا مدافعا مجيدا عن حقوق العمال والشعب كنبيل الهلالي ... كل هؤلاء يظهرون في الشعب، ويقيمون الحضارة، ويبنون الجيوش على قيم الوطنية المصرية.
لو كتبت لملأت الأسماء وحدها كتبا. مصر الآن ياجيشنا مليئة بهؤلاء وابناء هؤلاء وأحفاد هؤلاء وتراث هؤلاء. واعادة بناء مصر من جديد، ووضع دستورها واقامة قضائها وبناء مجالس نظيفة لنواب الشعب والتشريع، هو مهمة الشعب ممثلا في أمثال هؤلاء الناس. فلماذا انفردتم بقرارات تأخذونها وحدكم؟ ولمذا تسببون هذا الارتباك للدكتور وحيد عبد المجيد؟
ان تفسيري البسيط لقرار مثل الاستفتاء الذي لا لزوم له، ومثل هذا الاصرار على استمرار أحمد شفيق ، والاصرار على استبقاء نائب أحمد شفيق الذي تجاوزه الزمن، وتلك الايضاحات الدستورية والقانونية التي سمعناها من اللواء ممدوح شاهين والتي نراها غير مناسبة ولا مقنعة، و دعم وزير الداخلية الجديد في اجراء ديكوري فارغ من المضمون مثل تغيير اسم جهاز أمن الدولة بوصفه التغيير الوحيد الذي عرفناه في أمر هذا الجهاز،  على حين أن الغاء هذا الجهاز هو مطلب الشعب باسره، واسألوا الناس في استفتاء لو أردتم، أما أهمية أن يكون هناك جهاز اضافي للأمن الوطني و وضع القانون والنظام الذي يخضع له، فهي مهمة أكبر من وزير الداخلية مهما حسنت نواياه، ولا يجب أساسا أن يكون مثل هذا الجهاز تابعا لوزارة الداخلية، وحادث مثل اعادة اعتقال شقيق الظواهري وبنفس الهمجية المعروفة منذ 60 سنة، ومجموعة حوادث تورط فيها بعض الأوغاد من أفراد القوات المسلحة، مثل فض اعتصام التحرير بالقوة الهمجية والذي تم الاعتذار عنه، والاعتداء على المتظاهرين أمام مجلس الوزراء لطرد أحمد شفيق، واقتحام حرم جامعة القاهرة لفض احتجاج سلمي للطلاب ضد عميد كلية تابع لأمن الدولة، وما نقل عن شهادة أحد الأساتذة من أن أحد الأوغاد برتبة ملازم قد اعتدى بالقول على الأساتذة قائلا "انتو بتوع 9 مارس، انتو مقبوض عليكو، وحنخليكو عبرة" واحتجزهم في عربة مدرعة وصادر أوراقهم وتليفوناتهم.  ومفهوم أن مثل هذا الوغد الصغير لا مفر من ان يوجد أمثاله في كل مكان، لكننا لانحب لجيشنا وسمعته وشرفه أن يحتفظ بأي أوغاد، وهنا أطالب بوضوح أن تتم محاكمة كل من اعتدى على أي مواطن سواء كان من المشتغلين بالسياسة أو من المكافحين من أجل تنظيف مصر أو المكافحين من أجل حقوقهم من العمال والموظفين وباقي الفئات، هؤلاء يجب محاكمتهم ونزع رتبهم وطردهم خارج القوات المسلحة. لايمكن السماح لأي شخص يهين أو يرهب أويعتدي على الشعب أن يظل في القوات المسلحة. والشرطة العسكرية لها سمعة سيئة منذ ماقبل الثورة، وهي توصم باستخدام العنف والارهاب وعدم احترام القانون، ولابد من اعادة النظر في هذا الجهاز وتنقيته ورقابة أعماله.
يضاف الى هذا مسألة الاستجابة لنزوات مبارك ولما يلائمه ويريحه بالسماح له بالاقامة في شرم الشيخ. كل هذا لايلائم القانون وأحكامه ولا يلائم مشاعر الناس فيما يتعلق برجل تورط في جرائم قتل ضد الشعب وجرائم فساد وتربح وما سيظهر قريبا من جرائم أخرى. مبارك وأسرته يجب أن يعيشوا في مكان خاص في بقعة يكون للجيش المصري سيادة كاملة عليها.
ثم مسألة عملاء أمن الدولة في التليفزيون والصحافة والجامعة ... الخ ...  فقد سمعنا عجبا من المجلس العسكري ومن السيد يحيى الجمل. ففي برنامج تليفزيوني ضم ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري صرحوا بأنهم يعرفون أنفسهم وأنهم يفعلون خيرا ان استقالوا من أعمالهم من تلقاء أنفسهم! والسيد الجمل تحدث بلهجة المأساة وبروح قديس من قديسي المسرح يقدس القانون وذكر أن هؤلاء لو فصلناهم للجأوا الى القضاء وحصلوا على حكم بالعودة الى أعمالهم!. رحم الله أنور السادات الذي كان يأمر بفصل اساتذة الجامعة المعارضين لحكمه، وينقل الصحفيين ليعملوا في محلات الأحذية. أليست هناك يامن تحترمون القانون الى هذا الحد بنود في لوائح تنظيم العمل بهذه المنشئات تسمح بتحويل هؤلاء العملاء جميعا للتحقيقات ومنحهم أجازة مفتوحة وابعادهم عن أعيننا وآذاننا؟
أود أن أقول للدكتور وحيد أن السبب في كل هذه الظواهر الغريبة هو الارتباك. ارتباك المجلس العسكري، وهو يواجه وضعا بالغ التعقيد لم يكن مستعدا له، والنزوع المحافظ والحذر والبنية البيروقراطية للمؤسسة. فالمجلس العسكري لم يتشاور مع أحد في مصر قدر التشاور الواجب، أو هو تشاور مع ناصحين أردياء، وتبنى بشكل تلقائي بيروقراطي خطة مبارك قبل رحيله في اجراء تعديلات على بعض مواد الدستور الساقط المهلهل، وهو ماحاول مبارك وعمر سليمان ايهام الشعب بأن هذه مطالبه وأنه قد استجيب لها.
الفارق أن مبارك لم يكن صادقا وكان يخدع الشعب على طول الخط، وكذلك كان شفيق، أما المجلس العسكري فقد وجد نفسه اتوماتيكيا يتبنى خطة كانت خطة أراد بها مبارك الخداع، بينما المجلس العسكري صادق في موقفه. خطة الخداع لاتصلح أن تكون خطة للموقف الصادق للجيش، وبدأت عيوب هذه الخطة تظهر تباعا، ومرة أخرى تتداخل عوامل البيروقراطية والحذر والناصحين الأردياء لتحد من القدرة التكتيكية على اعتماد موقف مرن في مواجهة تكشف حقائق جديدة، فيصر المجلس العسكري على عمل استفتاء لالزوم له، استغلته القوى المعادية لثقافة الحرية والعقل، وقوى دفع الناس الى اليأس من مشوار الثورة، والتلاعب بالعوطف الانسانية في العودة الى الحياة الطبيعية، استغلته كلها للوصول لنتيجة للاستفتاء التي أظهرت تماسك 4 ملايين من المصريين في موقفهم المعارض لخطة مبارك التي حاول المجلس العسكري اصلاحها دون جدوى، لأنها ببساطة، غير قابلة للحياة.
هنا تغير الموقف. وأعلن عن سقوط الدستور الساقط، وعن اعتزام المجلس العسكري اصدار اعلان دستوري ثان يكون يمثابة دستور مؤقت. وما نرى أنه أمر ضروري الآن هو أن يقوم المجلس العسكري من جهته باستطلاع آراء كافة العناصر والقوى المؤهلة والفاعلة قبل أن يصدر الاعلان الدستوري. فلم يكن واردا لدى المتحدثين باسم المجلس العسكري ولا لجنة التعديلات أن الأمور ستؤول الى ماآلت اليه الآن، وانما ساد الارتباك الذي آن له أن ينتهي.
بقيت ملاحظات أخيرة، وهي أننا لم نر حتى الآن بيانا رسميا تفصيليا بنتائج الاستفتاء، وأن مشاركة 44 في المائة من أصحاب الحق في التصويت هي نسبة ضعيفة في زمن ثورة، وأنه ماكان يجب أن يقدم الجيش على تنظيم استفتاء قبل أن ينظم امكانية التصويت لكل المصريين خارج مصر، وقد أبدى السيد ساويرس استعداده للمساهمة في التجهيزات الالكترونية الدقيقة والمضمونة للتصويت.
وعلى أي حال فعلينا أن ننجح في ايجاد مستوى أعلى للحوار والتفاهم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي دفعت به الأقدار ليقوم بهذا الدور الكبير والصعب في تاريخ وطنه.

مارس 21، 2011

نتيجة الاستفتاء (2)

نتيجة الاستفتاء (2)
لو كانوا يحبون مصر بوعي أكثر. ولو كانوا يستمعون القول، فيتبعون أحسنه. ولو عرفوا وآمنوا أن الدساتير والحريات، ونظم الحكم، والثورات، وأمور التاريخ الكبرى، وفهم معضلات الأوطان المأزومة وحل طلاسمها، وايجاد الحلول الصائبة لها، ليس أبدا أمرا يسيرا، ولا يمكن أن يعالج كما تعالج الأمور اليومية للمعسكرات.  
لو أنهم أصروا أن يستفتوا الشعب، فطرحوا عليه السؤال البسيط النزيه المباشر:
هل ترى أن دستور مبارك قد سقط مع سقوطه، وأن مصر تحتاج دستورا جديدا؟ فماذا كانت ستكون نتيجة الاستفتاء!
من أجل مصر، فاننا نتطلع الى أداء أفضل من قبل المجلس العسكري.

مارس 20، 2011

نتيجة الاستفتاء

نتيجة الاستفتاء


هذه النتيجة تعني أن لدى الثورة المصرية جيشا للحرية وللأمل يتكون من 187 174 4 جندية وجندي.

وليس لدى أي قوة سياسية في مصر اليوم جيش يضاهي هذا الجيش في العدد أو يضاهيه في العزيمة والتصميم على تحرير مصر من قيودها والانطلاق بها الى المستقبل.

هيا بنا الى تنظيم صفوف جيش الثورة لكي نتقدم الى الأمام، ونضم الى صفوفنا كل الملايين التي تستيقظ، كل الملايين صاحبة المصلحة في مصر وطنا رافع الرأس، تسوده ثقافة وضميرالحرية، وثقافة وضميرالاستقلال الوطني، نبني اقتصادا وطنيا متقدما، ونقيم دعائم العلم والتكنولوجيا، ومجتمع العدل الاجتماعي، ونصلح ونبني كل ماأفسدته ودمرته ثقافة وسلطة الاستبداد والنهب واذلال الشعب، وثقافة وسياسة الخضوع والتبعية، والتفريط في المصالح والثروة الوطنية. نعيد بناء أنفسنا، نعيد بناء الانسان، ضميرا لثقافة الحرية والعقل، وقوة تحقق وتصون استقلال الوطن وحريته، وضميرا يقدس العمل المنتج.

  التنظيم:
ان القوى الجبارة التي اطلقتها ثورة يناير(أكثر من أربعة ملايين مصري ومصرية)، تستطيع بتنظيم صفوفها أن تصل خلال 6 أشهر الى أن تضم 40 مليونا من أصحاب حق التصويت في مصر وتنظم معهم جيشا جرارا للثورة والتغيير، اننا نعبر عنهم، وعن أحلامهم في مصر، وطننا الوحيد الجميل.

البرلمان والرئاسة والدستور الجديد:
يمكننا حينئذ، ومهما كانت الظروف المعاكسة، أن نحقق أغلبية نيابية في مجلسي البرلمان، وأن ننتخب رئيسا نزيها صادقا يمثل الثورة، وأن ننتخب جمعية تأسيسية وطنية وحرة وثورية حقا لتضع دستورا جديدا للحرية، يليق بمصر.

 نحو نقابات جديدة واتحادات جديدة وحكم محلي جديد:
لابد لنا ان ننظم على الفور قوانا في جميع النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الفلاحية ومختلف الجمعيات وفي الجامعات والمعاهد والمدارس (في الاتحادات الطلابية واتحادات هيئات التدريس واتحادات العاملين) وفي مجالس الحكم المحلي لكي نحقق قيادة وطنية حرة لهذه المنظمات، تتبنى ثقافة الحرية والعقل، وتدافع عن مصالح أعضائها كجزء من مجموع الوطن، وفي اطار مصلحة الوطن، وتبني وتطور كل هذه الكيانات وأعضائها على أسس جديدة.

نحن نتقدم للدفاع عن مصالح الشعب كله، كما نتقدم للدفاع عن مصالح أعضاء النقابات والاتحادات والجمعيات، وفق برامج صادقة، تفصيلية، واضحة، تميزنا عن القوى الأخرى، المنافقة والانتهازية والمعادية للثورة والمعادية لثقافة الحرية والعقل.

اعلام وفن الثورة والحرية:
لابد لنا أن ننشىء على الفور صحافتنا الحرة، في المدن وفي الأقاليم، وأن نصل الى كل شبر وانسان في أرض وطننا. لابد لنا أن ننظم على الفور قنوات فضائية واذاعات حرة ووطنية، تعبر عن ضمير الوطن والشعب، وتنشر ثقافة الحرية والعقل وثقافة الكرامة الوطنية. لابد لنا أن نحتضن فن الثورة وأدب الثورة، مقاوما لفن ترويج الاستبداد وتخريب الانسان والهاء الشعب

حزب الثورة والجبهة الوطنية الواسعة:
علينا أن ننظم حزبا ثوريا يقود كفاح الشعب وينظم أوسع جبهة وطنية لانقاذ البلاد وقيادتها نحو المستقبل.

هذه مصر تنادينا .. وخارطة الوطن بأسره تمتد أمام أعيننا
فالى العمل

مارس 18، 2011

تسقط التعديلات ودستورها .. ويحيا دستور الحرية

تسقط التعديلات ودستورها .. ويحيا دستور الحرية

دستور 1971 هو وثيقة مذلة مهينة، صنعت في مواخير الاستبداد والديكتاتورية والدولة البوليسية. انه وثيقة تدل دلالة بالغة على عصور الظلام والاستخفاف بالشعب التي عاشتها مصر.
ان مواد هذا الدستور كومة من القمامة استخدمها الحكام بوحشية ليجلدوا الشعب، وليصلوا بمصر الى الحضيض الذي وصلت اليه، وليتبجحوا في وجه المصريين ووجه العالم مدعين أن لدى مصر دستورا، وهو عار الدساتير كلها على سطح الأرض، ووصمة على صفحة التاريخ الانساني.
لقد جرت صياغة دستور 1971 وتعديله عدة مرات بواسطة بعض من يشتغلون بالقانون من قوادين لاضمير لهم، استحلوا لأنفسهم ذهب السلطان وقربه، وصاغوا وقننوا فيه لسلاطين مصر – محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك وجمال محمد حسني مبارك - أكثر نزواتهم جنونا. كان من قدرنا أن عكر صفو وادينا الجميل كثرة من حكام المماليك والحاكم بامر الله وكافور الاخشيدي وولاة آل عثمان ممن كانوا حكاما طغاة ومجرمين بل وأحيانا مجانين وشواذ عقليا ونفسيا، لكنهم كانوا أقل جنونا وجشعا وشذوذا وانسياقا لنزواتهم من حكامنا الثلاثة الأخيرين: فشواذ حكامنا القدامى لم يدعوا أنهم يحكمون بدستور، وكانوا يتبعون سنن الطغيان التي سادت في العصور المظلمة والبدائية وفي العصور الوسطى. أما هؤلاء الثلاثة الأخيرين فقد طغوا علينا في القرن العشرين وعقدا من القرن الحادي والعشرين. 
وهذا الدستور تم اقرار مواده المشينة من قبل مجالس نيابية تشكلت عن طريق التزوير والضغط وشراء الذمم  واطلاق المجرمين المأجورين واستغلال فاسد للدين أو العصبية العائلية، وفي ظل منع حرية تكوين الأحزاب وحرية حركتها، وبنسب تصويت شعبي تعتبر من أدنى النسب في العالم.
وضمت هذه المجالس في عضويتها حشودا من الفاسدين واللصوص والخارجين على القانون وتجار المخدرات
ثم نظمت الدولة البوليسية مسرحيات استفتاء شعبي مزورة، حيث أعلن بعدها أن الشعب المصري قد أقر هذا الدستور وتعديلاته. والشعب المصري لم يقر أبدا هذا الدستور في أي يوم.
ثم استخدم هذا الدستور وتعديلاته في واحدة من أبشع عمليات انتهاك الشعوب وانتهاك حقوقها.

هذه الحقائق كلها يعرفها الشعب ويعرفها العالم كله ويعرفها المجلس العسكري.

أي أن هذا الدستور باطل من أساسه بطلانا تاما: فنصوصه باطلة، والطريقة التي وضع بها باطلة، والمجالس التي أقرته باطلة والحكام الذين طرحوا الدستور والتعديلات للاستفتاء شرعيتهم باطلة، والاستفتاءات على الدستور باطلة، والأغراض التي صاغ الحكام لها هذا الدستور باطلة. النتائج التي ترتبت على كل هذا البطلان هي اعتلاء السلطة حكام فاسدون جهلاء غير مؤهلين، استخدموا سلطاتهم المطلقة شر استخدام وكأن مصر عزبة أبيهم، لايتخلون عن سلطتهم الا موتا أوقتلا أو ثورة!

وأسال المجلس العسكري، كيف يدعو الشعب للاستفتاء على دستور باطل مذل مهين؟ الهذا ثار الشعب المصري البطل في 2011؟

فالتعديلات التي طلبها المجلس العسكري من لجنة المستشار البشري لايمكنها أن تزيل البطلان، بطلان دستور 1971.

وقرار المجلس العسكري بطلب التعديلات لدستور يرفضه الشعب، هو نفسه قرار باطل. ولا يمكن للشعب أن يقبل أي مبررات تقدم لتبرير هذا القرار.

فالشعب لايخشى من ديكتاتورية عسكرية، لأنه يثق بصدق ما أعلنه المجلس العسكري من تأييد للثورة، وعزم على أن يحمي ارادة الشعب الحرة في بناء شرعية دستورية جديدة. والكلام الكثير عن امكانية الدخول في نفق مظلم لديكتاتورية عسكرية هو كلام وتخوفات لاتقوم على أساس من فهم صائب لحقيقة الوضع السياسي في مصر بعد أن استيقظت ومضت  بقوة وعزم على طريق الثورة. فالمواطنون المصريون في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفي القوات المسلحة بأسرها، يبدون ككل المواطنين، وقد أنار صدورهم أمل جديد مع مجيىء الثورة، وتصاعدت آمالهم في المساهمة في انقاذ وطنهم، وبناء مصر حرة متقدمة عزيزة.

القوات المسلحة تبدو الآن وكأنها رأت في الثورة خيارا وحيدا وفرصة قدرية لانقاذ الوطن.  انني أصدق تماما اخلاص كلمات اللواء محمد العصار في مستهل حديثه على قناة دريم. كان صوته وكلماته وصدقه رجعا لصدى الصوت الوطني الباسل للعسكرية المصرية منذ أيام أحمس وحتى أيام عبد المنعم رياض والكفاح على الجبهة واقتحام قناة السويس.

هذا الصوت الذي حاولت خنقه مقامرة القدس المشئومة لأنور السادات، والخنوع الجاهل لمبارك، ذلك الخنوع من رجل لم يعرف ابدا ولم يفهم أبدا قدر مصر، وقدر شعب مصر. هؤلاء المواطنون في المجلس العسكري وفي القوات المسلحة يبدو أنهم يعرفون ويفهمون قدر الوطن والشعب.

الثورات قوى جبارة، تحول التاريخ. والثورة المصرية قد مست الجيش المصري وهزته وغيرته ومنحته الأمل وعلمته أن الشعب لم يمت، وأن روح الحرية والنهوض في مصر لم تخمد. الثورة علمت الجيش أن الشعب يستطيع أن يجترح المعجزات، وأن يحقق مالا تستطيع الجيوش تحقيقه.

واني على يقين من أن الشعب وكل الوطنيين في القوات المسلحة سوف يقاومون أية مغامرات من مهرجين مقامرين من أمثال أنور السادات وجهلاء مظلمي العقل والضمير من أمثال حسني مبارك للوثوب على السلطة وتنصيب ديكتاتورية عسكرية سوداء تحت اي ظرف وباسم أي مبررات. الشعب المصري، بروح الحرية والثورة والوطنية المصرية، والوطنيون في القوات المسلحة، سوف يجهضون ويلحقون الهزيمة بأية مغامرات لمغامرين عسكريين يخونون الشعب والدستور والوطن. هذا عهد نقسم عليه معا على خريطة مصر.

والشعب الثائر الذي منح ثقته لجيش مصر ليتولى مؤقتا سلطة الدولة والتشريع، لم يمنح الجيش قيادة الثورة.

فالقيادة الشعبية للثورة قد تخلقت بالتدريج وبسرعة، وقد أظهرت روحا ثورية جبارة وقدرة على العمل وعلى الهام الملايين وحشدهم وأظهرت كذلك بوضوح تقديرا سياسيا وطنيا صائبا ودقيقا وعقلا سياسيا واعيا وناضجا.

والجيش يجب أن يقدر جيدا حدود دوره السياسي المشروط والمؤقت في المرحلة الانتقالية لاعادة بناء الدولة وبناء شرعية دستورية جديدة في مصر.

فالمهمات الثورية الأساسية للثورة المصرية تتلخص بوضوح في:
الاطاحة بالرئيس
والاطاحة بحكومة الرئيس
و الاطاحة بدستور الرئيس
والاطاحة بجهاز أمن الدولة
والاطاحة بمجلسي الرئيس النيابيين المزورين
وعزل قادة النظام والمحافظين وقادة الأمن العام الفاسدين وكبار الفاسدين والمفسدين والمتربحين في جهاز الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص والقضاء وحزب مبارك والمجالس النيابية المزورة المنحلة، وتقديمهم للعدالة
وعزل العناصرالبوليسية والعناصر الانتهازية والمعادية للثورة في أجهزة الاعلام والصحافة، أما المتربحون والذين حرضوا ضد الثورة واختلقوا الأكاذيب وروجوها فلابد من تقديمهم للعدالة
و عزل العناصر المشابهة في النقابات والاتحادات والجمعيات والأزهر ودار الافتاء وقطاعات الفنون والثقافة والجامعات والأندية الرياضية واتحاداتها
وحل المجالس المحلية
واطلاق سراح المعتقلين السياسيين
وملاحقة العناصر الاجرامية التي قتلت الثوار واعتدت عليهم والعناصر التي رتبت للقتل والعدوان المادي والمعنوي
والغاء القوانين المعادية للحريات
وانهاء حالة الطوارىء، والغاء القانون الحالي للطوارىء الى حين اقرار قانون جديد يليق بمجتمع حر.

وتتجه المهام الثورية في نفس الوقت وبالتزامن نحو تنصيب حكومة يرضاها الشعب تكون مهمتها ادارة شئون البلاد ويكون عليها أن تنجز عمليا و بحزم كل المهام السابقة واللاحقة للثورة تحت رقابة الشعب المباشرة، وبدعم وضمان وحماية القوات المسلحة. وقد تم بالفعل تنصيب حكومة الدكتور عصام شرف من ميدان التحرير وبرضاء شعبي واسع محل حكومة اللورد شفيق التي اطاح بها الشعب. وبالاضافة الى مسئولية كل وزير في الوزارة عن عمله وعما يسنده اليه رئيس الوزراء فان رئيس الوزراء مسئول عن عمل وزرائه وعن عمل وزارته عموما وعليه أن ينحي الوزراء الذين تثبت الممارسة عجزهم عن الأداء ونقص كفاءتهم أو تخاذل مواقفهم أو تعاونهم مع عناصر النظام المنهار، وسيكون في اجراءاته تلك مدعوما من الشعب مباشرة

وتضع الثورة نصب أعينها تنظيم مرحلة انتقالية مدتها عام على الأقل يتم فيها انجاز جملة من المهام الثورية الحاسمة وعلى رأسها:

- وضع دستور جديد لجمهورية برلمانية ذات مجلس نيابي واحد ( وبدون الدخول في مزيد من الجدل العقيم، فانني أتصور ببساطة، أن تقوم حكومة الدكتورشرف باعداد قائمتين كل منهما تتكون من 100 مرشح لعضوية الجمعية التأسيسية يمكن أن يحظى بالقبول العام والتوافق الشعبي عليه وذلك من أساتذة القانون الدستوري والقضاة والمحامين والشخصيات العامة وممثلين للمرأة وممثلين للفلاحين وللعمال ولرجال الأعمال الوطنيين وللقوات المسلحة وللشرطة ولبدو سيناء، وتعرض هذه الأسماء، ومعها المعلومات الأساسية عن كل مرشح وتاريخه وارائه ودوره الوطني، في الصحف والانترنت والتليفزيون ليتم نقاش حولها لمدة أسبوعين، ويتم منح فرصة لكل من هؤلاء المرشحين للحديث الى الشعب عبر التليفزيون والكتابة في الصحف في أوقات ومساحات تفرد لهذا الغرض. وتقوم الحكومة الشرفية بناء على تحليل هذا النقاش الواسع بالتوصل الى استنتاج قائمة واحدة من 100 عضو تطرح للنقاش مرة أخرى لمدة اسبوعين، ويقوم االمرشحون بالحديث والكتابة مرة أخرى. ثم يطرح المجلس العسكري القائمة للاستفتاء الشعبي. ويراعى أن يكون 50 عضوا من الجمعية من خبراء الدستور والقضاة والمحامين. واذا تمت الموافقة على الجمعية التاسيسية شعبيا، تبدأ عملها في وضع دستور جديد لجمهورية ديمقراطية برلمانية ذات مجلس نيابي واحد خلال مدة لاتتجاوز ستة أشهر، وتتم متابعة عملها شعبيا على أوسع نطاق، الى ان تستقر على صيغة نهائية لدستور يليق بمصر ويليق بدورها في بناء الحضارة الانسانية. ويطرح المجلس العسكري الدستور للاستفتاء الشعبي، فاذا أقره الشعب يقوم المجلس العسكري باعلان العمل بالدستور الجديد وتحديد مواعيد الانتخابات للبرلمان ولرئيس الجمهورية في وقت واحد، في تاريخ لايقل عن اثني عشر شهرا من تاريخ الاستفتاء الذي يقر الجمعية التأسيسية. فاذا سارت الأمور على هذا النحو، فسيكون لدينا جمعية تأسيسية أقرها الشعب في تاريخ يدور حول أول مايو 2011، وهكذا يكون الدستور جاهزا خلال 6 أشهر من هذا التاريخ وتكون الانتخابات للبرلمان ولرئيس الدولة في أول مايو 2012، وتكون مصر قد استضافت قواتها المسلحة في سلطة الدولة لمدة تبلغ نحو 14 شهرا و17 يوما. وتعود القوات المسلحة الى مواقعها ودورها الوطني الاعتيادي، بعد أن تكون قد عززت موقعها في قلب مصر وضمير شعب مصر العظيم)   

-  اطلاق الحريات العامة واقرار قوانين تطلق حريات تكوين الأحزاب وتأسيس الصحف ووسائل الاعلام وحريات التنظيم السياسي والنقابي والمدني وحريات التعبير والتظاهر والاعتصام السلمي. (وهذه القوانين يجب أن تصدر بها قرارات من المجلس العسكري على الفور، بناء على نصوص ديمقراطية للقوانين تقدمها حكومة الدكتور شرف)

 -  تنقية القوانين التي تحد من استقلال القضاء والنيابة العامة، والغاء كل أجهزة ومحاكم القضاء الاستثنائي، واعداد قوانين جديدة للسلطة القضائية ( وهذه مهام تنظمها حكومة الدكتور شرف وفق برنامج تضعه وتعرضه على الشعب)

- فصل مكتب الأمن الوطني الذي أعلن عنه وزير الداخلية عن وزارة الداخلية، وتبعيته لرئيس الوزراء أو لوزير دولة مستقل في المستقبل، واعداد قانون خاص بهذا المكتب يحدد وظائفه وضوابطه، واخضاعه لسلطة القضاء ورقابة البرلمان. واعادة تنظيم وزارة الداخلية، واعداد قانون جديد ينظم عملها ويحدد وظائفها بوضوح ويخضعها لسلطة القضاء. ولابد من صدور قرار من المجلس العسكري يؤكد الغاء جهاز أمن الدولة، ويعلن انشاء مكتب للامن الوطني مستقلا عن وزارة الداخلية، ويتبع رئيس الوزراء، ويخضع لاشراف وسلطة القضاء، الى ان يتم وضع القانون الخاص بهذا المكتب، كما يقوم السيد وزير الدخلية باعلان وجهة نظره وبرنامجه في اعادة تنظيم هذه الوزارة واخضاعها لاشراف القضاء وسلطته)

- تشكيل لجنة علمية تتبع رئيس الوزراء تكون مهمتها دراسة أوضاع التعليم العام والفني والجامعي والبحث العلمي في مصر لوضع خطة ثورية شاملة للنهوض بالتعليم والبحث العلمي في مصر خلال 10 سنوات، وكذلك تنظيم خطة عملية ثورية لمحو أمية المصريين تماما خلال عامين. تضم نواة هذه اللجنة الدكاترة أحمد زويل وفاروق الباز ورشدي سعيد ومحمد أبو الغار ومحمد غنيم ومجدي يعقوب وابراهيم بدران ومصطفى السيد على أن تضم في عضويتها الموسعة كل الخبرات العلمية المصرية في مصر وفي الخارج. وتشرف هذه اللجنة على التخطيط والتمويل والتنفيذ لبرامجها

- اعلان نوايا الحكومة فيما يخص تنفيذ حكم القضاء الخاص بالحد الأدنى للأجور، واعلان الحد الأقصى للأجور في مصربما لايتجاوز 18 ضعفا للحد الأدنى بأي حال من الأحوال

- احترام آلام الشعب ومطالبه من قبل الحكومة، والتعامل باستقامة وجدية مع مطالب العمال والفلاحين وباقي فئات الشعب، بدراسة المطالب وتقديم اجابة عادلة لها. ومن الممكن تعيين وزير تكون مهمته التعامل مع النضال المطلبي لقطاعات الشعب المختلفة، ونشر نتائج عمله على الشعب

           لقد توقعنا من المستشار البشري أن يكون صوتا للشعب كما كان على مدى الزمن وأن ينصح المجلس العسكري بخطأ خطته وبطلان قراره في اجراء تعديلات على دستور باطل لم يقره الشعب يوما، وعانى من مصطنعيه وحكامه الطغاة وآثاره المشئومة طيلة 40 سنة. وأن يوضح كذلك للمجلس العسكري أن واجبه الوطني هو أن يحسن أداء هذه المهمات التاريخية على أتم وجه، وأن يكون سباقا في ايجاد الحلول والاختيارات والظروف التي تذلل العقبات أمام أهداف ثورة الشعب المصري، وأن حجة ضيق الوقت كانت هي نفس حجة مبارك وعمر سليمان في فرض هذه التعديلات البائسة نفسها، فلا معنى على الاطلاق أن يحدد المجلس العسكري لنفسه مدة قسرية، لاتصلح لصنع التاريخ ولا تكفي لميلاد طفل، ليعود الجيش الى الثكنات، فيفرض على الشعب أن يقبل بدستور باطل وتعديلات باطلة وخطة ضارة بأهداف الثورة الأساسية في ارساء اسس وطن ديمقراطي حر ودولة ديمقراطية تقوم على أنقاض النظام الفاسد بما فيه رئيسه وحكومته ودستوره وبوليسه ورجاله واعلامه... كثمرة حلال مستحقة لثورة كبرى اختمرت في ضمير الأمة منذ قرون. والجيش بعد انهياره سنة 1967 قد احتاج لسنوات طوال والوطن تحت الاحتلال ليجهز قواه لحرب التحرير واقتحام القناة. نحن نريد بالضبط مايكفي من الوقت وليس أكثر، فنظم مبارك وسلفه قد أدت الى انهيار قوى الوطن، وجاءت الثورة كما تجيء الأحلام وكما تجيء المعجزات فأعلنت أن الوطن مازال حيا وأنه قادر على أن يجهز قواه لتحرير مصر من احتلال أنظمة فاسدة سحقته لمدة 40 سنة بكاملها. فمن يمكنه أن يقول لنا جهزوا قواتكم للتحرير خلال 6 أشهر؟ هل يبدو هذا معقولا بعد دمار عشرات السنين؟ هل تبغون أن تجهضوا جنين مصر وأملها؟

       ومن المؤسف أن المستشار البشري قد جانبه التوفيق بقبوله هذه المهمة فعزز قرار المجلس العسكري الذي جانبه التوفيق وشابه البطلان ووقف في وجه ارادة الشعب. ولو أنه اعتذر عن هذه المهمة لأدرك المجلس العسكري الخطأ وصحح مساره.

ثم ان المستشار البشري شرع في اتهام قوى الثورة بأنها تنادي بالديمقراطية لكنها تخاف منها. ونحن نأسف لذلك كذلك. فقوى الثورة مثلما لاتخشى من ديكتاتورية عسكرية، فهي بالأحرى لاتخشى ما ناضلت من أجله: الحرية. هاهنا خلط نرجو ألا يكون متعمدا.  قوى الثورة قامت لتدك أسس الديكتاتورية والدولة البوليسية وعصابات الأوليجاركية الحاكمة والمتحالفة مع العصابات الحاكمة في المنطقة العربية والمتحالفة كذلك مع أسوأ البؤر الصهيونية وأشدها عداء لنهوض مصر من سباتها ودمارها، وكذلك قامت الثورة لتنظف مصرمن الأعشاب الطفيلية التي نمت على مستنقعات عصور الفساد والتبعية والانهيار الوطني، وأعني قوى التخلف السياسي والاجتماعي باسم الاسلام أو باسم المسيحية في مصر كما في المنطقة العربية.

و كان على الثورة بعد أن أطاحت بالديكتاتور ثم بحكومة شفيق المعادية للثورة ثم نضالها الذي أدى حتى الآن الى مجرد حصار جهاز امن الدولة، كان عليها أن تتقدم لتطيح بالدستور العاهرلأنور السادات وحسني وجمال مبارك.  فهودستور باطل للأسباب التى سبق وعددناها. وكان على الثورة أن تشرع على الفور في بناء أسس الديمقراطية في مصر والتي تعني اقرار الشعب لدستور جديد واقرار قوانين تطلق الحريات السياسية والعامة. بدون الدستور الجديد للحرية وبدون قوانين اطلاق الحريات فان الديمقراطية تكون وهما وتكون مهزلة رخيصة. ونحن ماثرنا لنقبل الأوهام والمهازل بعد اليوم في أرضنا. لقد عشنا أوهاما ومهازل باسم الديمقراطية حتى أوشكت مصر أن تموت وتجف ينابيعها ويجف نهرها. هل يختلف أحد على أن أسس الديمقراطية في الوضع السياسي المصري الراهن تتلخص في دستور جديد وقوانين اطلاق الحريات؟ وبدون أن تحقق الثورة ذلك فليست هناك من ديمقراطية ولا حرية. هناك فحسب هزل ومسرحيات وخداع للشعب وللدم.

المستشار البشري ذكر مايلي بالحرف الواحد في حديثه الى جريدة الشروق يوم 4 مارس 2011:
 " نحن نجري تعديلات على دستور بنيت هياكله الأساسية على أن السلطة في مصر ذات محور أساسي واحد تقريبا هو رئيس الجمهورية"  
ثم يذكر البشري  " ...العمال والفلاحون ومجلس الشورى اذا أسقطناهم من الدستور القائم نكون تعرضنا الى هيكل الدستور"
ويستأنف في ردوده قائلا "قلت من قبل اننا نعدل بعض أحكام الدستور القائم" ...
ويرد على سؤال آخر" ... مع هذه الثورة يجب أن يوضع دستور جديد وكل التعديلات التي وضعناها هي لفترة مؤقتة انتقالية بين عهدين ونظامين ودستورين"          

اذا ترجمنا هذا الكلام فلن يختلف معنا المستشار البشري في قراءته بالطريقة التالية وعلى لسانه في جميع الأحوال:
" الدستور بنيت هياكله الأساسية لتصنع ديكتاتورا وطاغية ... ونحن لا نريد التعرض لهيكل الدستور ... واننا نعدل بعض أحكام الدستور القائم ... والتعديلات هي لفترة مؤقتة انتقالية بين عهدين ونظامين ودستورين ... مع هذه الثورة يجب أن يوضع دستور جديد"
يا اله السموات. كلمات قليلة بالغة الدلالة على فساد وانهيار مسألة التعديلات كلها على بعضها.
فالرجل يراه دستورا قائما. وهو في الواقع دستور باطل " غير قائم بالمرة" منذ عام 1971. وتأكد بطلانه على مدى الزمن. كان دائما قائما من وجهة نظر الديكتاتور ونظامه، وباطلا من وجهة نظر الشعب. لكن حتى الديكتاتور أسقط دستوره بنفسه وهو يرحل الى شرم الشيخ عندما استخدم تلك الكلمات الغريبة التي أرسل بها عمر سليمان ليقول أنه "تخلى" عن منصبه ، فليس في دستور الديكتاتور شيء من ذلك العبث،  من نوع "تخلي" الرئيس، رغم أنه دستور ونظام كله عبث، وكيف بعد ان تخلى الرئيس عن منصبه ولم يعد رئيسا يمكنه أن يكلف المجلس الأعلى بادارة شئون البلاد؟ أو يمكنه أن يكلف أي أحد بأي شيء؟ حتى مبارك اعترف ببطلان دستوره وسقوطه حينما لم يترك الأمر يؤول لفتحي سرور ليدير شئون البلاد كما ينص الدستور!  أما من وجهة نظر الثورة وارادة الشعب التي تجلت في الثورة فهو الف باطل. انه أمر منته تماما، انه مثل مبارك وشفيق وأمن الدولة وباقي الروث، كلها في مزبلة التاريخ.
والمستشار لايريد أن يتعرض لهيكل الدستور الذي طالما صنع الطغاة وأذل مصر ... فلماذا ياسيدي لاتفرم هذا الهيكل الفظيع بربك وقد واتتك الفرصة؟ ويكون رده: " لأننا نعدل "بعض" أحكام الدستور" ولماذا ياسيدي بعض الأحكام؟ لماذا بعضها فحسب؟ ألا نستحق شيئا أكثر من ذلك بعد كل هذا الغاز والرصاص المطاطي وغير المطاطي وتلسكوبات الليزر والسيوف والخيل والجمال وشفيق ؟ فيرد المستشار: "مع هذه الثورة يجب أن يوضع دستور جديد" شكرا سيدي المستشار!. لكن لماذا اذا نعدل الأحكام ونستفتي الناس على جيفة ميتة؟ فيرد علينا ردا لاعلاقة له بالسؤال: " التعديلات هي لفترة مؤقتة انتقالية بين عهدين ونظامين ودستورين" . ولماذا ياسيدي هذه الفترة المؤقتة الانتقالية؟ من الذي خلق هذا المفصل الصناعي المؤذي في جسد الثورة ومسارها؟ كوبري لالزوم له. مثل كوبري التحرير الذي بناه عثمان أيام السادات ثم أزالوه لحسن الحظ. ودفع الشعب المسكين كل فواتير الانشاء وكل فواتير ازالة الكوبري الشائه الفظيع القبيح الذي لم يكن له اي لزوم. من قال أنه يجب أن تكون هناك محطة ترانزيت بين عهدين ونظامين ودستورين؟ لقد سقط مبارك وشفيق وامن الدولة (كما قال اللواء العيسوي) والدستور والمجالس المزورة وتدفق رجال مبارك على النائب العام وعلى مصلحة السجون، ويبدو الأمر بهذا الشكل باعثا على التفاؤل.

ففي مصر اليوم قوتان كبيرتان: الثورة والجيش. أي أن العهد يصبح عهد الثورة وحدها، عهد واحد وليس عهدين، والنظام يصبح نظام الثورة وحدها، نظام واحد وليس نظامين، والدستور يجب أن يكون دستور الثورة وحدها، دستور الثورة وليس دستورين. فلماذا كل هذا الازدواج المفترض على غير أساس؟ والغرام بثنائيات لاوجود لها على الأرض؟ أنتم انما تبعثون عهدا انقضى ونظاما سقط ودستورا مات منذ أربعين سنة، ودفنته الثورة منذ أسابيع. والآمر هكذا فمصر لاتحتاج الى هذا "الفاصل .. ونواصل" على طريقة مروجي الاعلانات! وانما نحتاج فقط أن نواصل! قدما الى الأمام بلا مرد، لنصيغ دستور الحرية و قوانين الحريات، ولنعد بلادنا للديمقراطية والتقدم، للمجد والنور.

وحين تستعد بلادنا للديمقراطية وتتيح أدواتها الأساسية والضرورية، فان "المتخلفين المسلمين" سوف يظهرون على حقيقتهم، وسيلفظهم الشعب في صناديق الاقتراع كما في حياته الاجتماعية والسياسية. هذا التيار للتخلف السياسي والاجتماعي والثقافي باسم الاسلام أوباسم المسيحية، لم يكن لديه ابدا مشروعا مخلصا للمستقبل، لديه فحسب مشروع غبي منافق  للماضي. والشعب المصري قد حسم امره أخيرا، واختار مشروعه للمستقبل، باسم الوطن والوطنية والحرية. وميدان التحرير ظل شاهدا على ذلك. ونقسم بالوطن أنه سيظل شاهدا ووفيا لشهدائه.

الشعب المصري عانى الفقر والجوع وربط الأحزمة على البطون ولم يجد الخبز والماء والملح في ظل الذل والانكسار والنهب الذي فرضته عليه الأنظمة الساقطة. واليوم يقول الشعب لجيشه ألا يحزن وألا يخشى شيئا أو ضغوطا من أي كان على سطح الأرض. الشعب المصري سيقتسم كسرة الخبز ويربط الأحزمة على البطون في ظل الكرامة والعزة التي استردها بثورته، ولن ينحني أبدا لا هو ولا جيشه أمام أي ضغوط. سوف نصمد، ونبني وطننا وانا لغالبون.

ندعو الشعب المصري، أن يسقط التعديلات مع دستورها المذل المهين في استفتاء السبت 19 مارس 2011. وليكن يوما كبيرا آخر في حياة الوطن المفدى. يوما له مابعده!

عاش كفاح الشعب المصري من أجل الحرية والتقدم وبناء الوطن
المجد للثورة
المجد للشهداء

مارس 15، 2011

الأسواني: مدفعجي الثورة، وحامل قناني الدم!



في مستهل حرب أكتوبر 1973، وفي الدقائق الأولى، رحل الذل من الجبهة، وقصفت رعود مدافع جيش مصر. أكثر من 1000 مدفع ثقيل تكلمت معا في صوت واحد، في لحن واحد للبطولة والرجولة المصرية، لتقتلع العدو الدنس من أرضنا.
وفي القاهرة الثائرة، وفي مارس 2011، أطلق الكاتب المصري علاء الأسواني 1000 مدفع ليقتلع اللورد ،الذي تولى رئاسة عصابة العدو الداخلي الدنس، من القاهرة، عاصمة الثورة.
كانت ليلة عظيمة أخرى من ليالي القاهرة والثورة.

قدم الشعب طابورا من شهداء الحرية ثم غنى: ارفع رأسك فوق، أنت مصري! لكل مصري أن يرفع رأسه الى الأبد، وأن يودع عبوديته، وأن يتخلص من الذلة والمسكنة، الى الأبد. الى الأبد.

فللانعتاق من العبودية ثمن يليق بالحرية والأحرار، ثمن من دم. وقد قدمه الثوار على المتاريس بسخاء. لن تمح أبد الدهر من عيون المصريين ولا من ذاكرة الوطن هذه الصور الباسمة للملائكة الذين قدموا دمهم قربانا لحرية الشعب المصري كله. ودماؤهم دين في ضمائرنا جميعا، نحن الشعب المصري. سداد الدين: أن نكون أحرارا. أن نمحو العبودية والذلة والمسكنة والخزي والعار من كل نفس ومن كل شبر في أرض الوطن.

 فليسأل كل مصري نفسه: أعبد هو أم حر؟ ماذا فعل ليكون حرا؟ ولماذا يقبل بخنوع العبد أو أشباه العبيد بعد اليوم؟ عبد لاشفاء له، كل من لم تحرك كرامته وعقله كل هذي الدماء، وكل هذه الجرائم من الحكام وعصاباتهم.  في مصر بركان ينادي بالحرية، وبعض الناس لايشعرون ولا يفهمون ويتصنعون الغباء وينافقون أنفسهم ويخدعون أنفسهم. المنافق عبد، وبليد الاحساس عبد، ومن استمرأ خوف السلطان عبد، ومن يحترم الحاكم المجرم السارق عبد، والخائف عبد، والكاذب عبد، ومن لايفكر عبد، ومن يخضع عواطفه لعدوه وجلاديه وسارقيه وقاتليه وخادعيه عبد، ومن لاينصر الثورة عبد.

في مصر الآن أصبح الأمر واضحا وحاسما. فهناك ملايين الناس من الشعب المصري الثائر من أجل الحرية وبناء وطن جديد نظيف مزدهر، وهناك أعداء الشعب، أعداء الحرية، أعداء المستقبل. فأين أنت يا أخي؟ هناك الثورة والأمل، وهناك أعداء الثورة والأمل: فانظر ماذا ترى؟ لامجال للمساومة ولا للحلول الوسط. أنت اما مع نفسك وشعبك، واما مع أعدائك وأعداء شعبك. هذا زمن تحسم فيه المصائر. ولتذكر في كل لحظة أن دين دم غال يسكن في ضميرك، فلا تحب أن تكون خائنا لدم اخوتك.

 الكاتب المصري علاء الأسواني شعر بمجد الدم وندائه كما لم يشعر أحد، فانحنى ليملأ مئات القناني، ملأها بالدم الذي فاض على طرقات المدن، تلك القناني التي صنعتها مصر من بلورات عيونها، وغسلتها بدموع شعبها، ملأها ـ وكانت أيادي الملايين هناك ـ بالدم العزيز لشهداء الوطن، وحمل قناني الدم ومضى ليلقى رئيس القتلة. وكأنه ايزيس تلملم قطرات اوزيريس فيبعث حيا، ليكمل النضال ضد الشرالذي أظلم الوادي.  احتضن الأسواني مدافعه وقنانيه المقدسة وذهب للنزال تحت عيون مصر الحانية والمصممة. متحدثا بليغا هادرا باسم الدم المصري. بصوت الرجال، وهيئة جنود جيش مصر،  الشجعان، السمر.

اللورد  أحمد محمد شفيق أصبح رئيس القتلة. اختاره أكبر لص وسافك للدم في تاريخ حكام مصر قاطبة ـ محمد حسني مبارك ـ ليكون مع عمر سليمان رأسي الحربة في خطته لسحق ثورة الشعب.  هل فكر أحد لماذا اختار حسني مبارك هذا الرجل بالذات في هذه اللحظة من لحظات شؤمه وانهياره؟  مبارك المسعور المرتعد كان يحارب معركة البقاء الأخيرة، ويستجدي ستة أشهر أخرى، ويحشد "خيرة" رجاله لمعركة بقائه هو، وافناء مصر. كان اسم أحمد شفيق على رأس من خطروا بذهن مبارك الاجرامي لهذه المهمة المشئومة.فلماذا؟

 كان مبارك ووريثه على استعداد لدفع مصر بحالها الى الهاوية من أجل انقاذ حياة حكمه. كانا قد جنا فعليا. ولكي يحقق مبارك هدفه المشئوم فقد كان عليه:
1 ـ  أن ينشىء هيئة أركان حرب مصغرة عاجلة لمعركة انقاذ حكمه: ونظن أنها قد تشكلت على الفور من مبارك الأب والأبن وعمر سليمان وأحمد شفيق (وكان مبارك يعمل على أن يكون المشير طنطاوي ضمن هذه الهيئة المشئومة للحرب على الشعب، الا أن القائد العام للجيش المصري أخذ يباعد نفسه بالتدريج وبحذر عن خطة مبارك لسحق الثورة باستخدام الجيش. واذا لم يشرح لنا المشير طنطاوي حقائق ووقائع تلك الأيام الثمانية عشرة فربما يكون علينا أن ننتظر ظهور جوليان أسانج جديدا على مسرح التاريخ ليقدم لنا "ويكيليكس" تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر، لكننا مازلنا نسأل المشير طنطاوي، ابن العسكرية المصرية، أن يكمل تاريخه، وأن يروي لنا الملحمة بنفسه!)
2ـ أن يضمن الولاء التام للقوات الجوية والجيش والحرس الجمهوري وبما يضمن له تحريك قواتهم لتنفيذ أوامر هيئته المصغرة في ارهاب الثوار وسفك دمائهم (وهنا فقد راهن مبارك على دور لشفيق بالذات، وعلى امكانية تأثيره على القوات الجوية، وقد  نجح شفيق على مدى سنوات طوال في استيعاب العديد من عناصر القوات الجوية في شبكة الفساد التي أتاحها مبارك وشفيق لهم في قطاع الطيران المدني وغيره، مما ستكشف عنه الأيام المقبلة، ونظن أن الظهور الاستعراضي الغريب المفاجىء لطائرات سلاح الجو المقاتلة القاذفة فوق ميدان التحريريوم 30 يناير وهي تمرق على ارتفاع منخفض وتصم آذان الثوار، وبما لايعني غير رسالة مشينة من سلاح الجو المصري لارهاب الشعب الثائر، كان له علاقة بنجاح اختراق خاص لمحور مبارك - أحمد شفيق في توريط لسلاح الطيران لايتماشى مع الموقف الحذر المترقب الذي اتخذه الجيش عموما، ومن الواضح أن الجيش قد اتخذ الاحتياطات اللازمة ونجح في السيطرة على سلاح الطيران بعيدا عن عبث شفيق وشركائه، كما أنه من غير المعروف ما اذا كان مبارك قد تمكن من زج شفيق في عضوية المجلس الأعلى العسكري ليحقق له السيطرة أو الانقسام داخل المجلس العسكري. وقد استطاع مبارك أن يظهرفي يوم 30 يناير في اجتماع في مركز قيادة العمليات للقوات المسلحة وهو محاط بالقائد العام ورئيس الأركان ونائب مبارك المنكود عمر سليمان وعدد من قادة القوات المسلحة)
3 ـ تحريك عصابات أمن الدولة في كل اتجاهات العنف والاغتيال والخطف والاعتقال وادارة أنشطة عصابات رجال الأعمال وتوجيه عملائهم في كل جهاز الاعلام في الحملات ضد الثورة وفي ترويج الشائعات وفي تخويف وافزاع الجموع الصامتة من أعمال العنف والسلب وتوجيه العملاء في قطاع الفن وأندية كرة القدم وحشد مظاهرات لتأييد مبارك ودفع عملائهم في الكنيسة وفي الأزهر وفي مجالات مايسمى بالدعاة الدينيين الجدد والتحريض على النزاعات الدينية واستخدام الانترنت... الخ (وهنا فان دور أحمد شفيق كان أساسيا في توجيه العمليات الاجرامية لعصابات أمن الدولة يشاركه مبارك الابن ومحمود وجدي وصفوت الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي وعمر سليمان. واستمر هذا الدور لشفيق بعد الاطاحة بمبارك وحتى تمت الاطاحة بشفيق نفسه. وهنا يجب مساءلة شفيق ومحاسبته عن مسئوليته عن اجرام عمليات جهاز أمن الدولة منذ 29 يناير وحتى 3 مارس 2011)
4 ـ استرضاء الولايات المتحدة (وهنا أيضا فان مبارك قد حاول استرضاء الولايات المتحدة بدفع وجوه مرضية لأمريكا ومطمئنة لها وهكذا جرى دفع شفيق للواجهة بالاضافة الى عمر سليمان)

هكذا ظهر شفيق ليلعب دور رئيس الحكومة وليخدم خطة مبارك لانقاذ رقبته على محاورها الأربعة الأساسية جميعا. مبارك يثق في ولاء شفيق له بما أنه عضو شديد الفساد في نظامه بما لايجعل له أي أمل في دور خارج عصابة مبارك. والواقع أن شفيق قد أخلص لزعيمه ولأستاذه وولي نعمته لأن نظام مبارك الأب ومبارك الابن هو مايمثل قناعته و"ثقافته" ومصالحه بالكامل.

 حين تلا القائد العسكري المحترم محسن الفنجري بيان المجلس العسكري وفاجأنا باللفتة النبيلة المؤثرة التي تليق بالجيش المصري وهو يرسي تقاليده في زمن الثورة، وقام بهذه التحية العسكرية المهيبة المفعمة بالصدق لشهداء الوطن، فاننا صدقناه جميعا ورفعنا أيدينا لنحيي الصدق وحرمة الدم المصري الذي وحدنا شعبا وجيشا في معاركنا مع الأعداء الغزاة على حدود الوطن، كما هو الحال في معركتنا ضد أعداء الشعب في مدننا وقرانا.
     
اللورد شفيق لم يشعرنا على الاطلاق أنه انتمى ذات يوم الى نفس جيش مصر الذي ينتمي اليه الجندي المصري المحترم محسن الفنجري. فبعد الليلة التي حبس فيها العالم أنفاسه وهو يرى بسالة الثوار العزل في ميدان التحرير وهم يصدون هجمات عصابات أمن الدولة التي تتم بالمعرفة الكاملة للسيد رئيس الوزراء، ويقدمون طوابير لاتنتهي من الشهداء والجرحى يخرج شفيق ليعتذر! خسة لامثيل لها: أن تقتل ثم تذهب للعزاء في جنازة من أصابهم غدرك! وتتواصل الجريمة في عز الظهر وتهجم الحيوانات على أجمل شباب وبنات مصر، ويخرج شفيق ليكذب ويقول: لا أعرف من فعل هذا! وأتعهد أن ذلك لن يتكرر. وتتكرر الجريمة، وبعلم شفيق. ويخرج علينا من أدمنوا العبودية للحاكم ليقولوا: والله هذا رئيس وزراء من نوع جديد، انه رئيس وزراء يعتذر! أيها الغافلون، انه يقتلكم ويعتذر، ويقتلكم مرة أخرى ومرات، ويعتذر! يضع حذاءه فوق أقفيتكم وجماجمكم، ويعتذر. والدم المسفوح الذي فاض في الطرقات والميادين والعيون المفقوءة وجماجم وصدور شباب مصر التي اخترقها الرصاص الغادر والحجارة المسنونة والسيوف، كل ذلك يكافىء لديكم اعتذارا كاذبا من هذا الرجل؟ تبا لكم من عبيد! لقد رأى الملايين لأيام وليال مذابح الثوار المسالمين على شاشات التلفزيونات غير المصرية، بينما تليفزيون رئيس الوزراء وصحافته يلوثون شرف الثوار، ويحرضون على قتلهم. أي أن القتل قتلان: قتل بالرصاص، وقتل بحملات الافتراء والتشهير وتلويث شرف الثورة والثوار بالأكاذيب. الشعب المصري يدفع من عرقه ودمه وفقره ودموعه الأموال التي ينهبها شفيق وينفقها على وزرائه وعلى جهاز أمن الدولة وعلى أجهزة اعلامه النجس، فيقتلون الشعب بأمواله ويغتالون شرفه وثورته وكرامته، وينعق شفيق مثل بومة: ارجعوا الى أعمالكم، الطعام سينفد سريعا، وأجوركم لن تحصلوا عليها! هلا قال لنا كم دفع الشعب من أموال لأجهزة البوليس وأمن الدولة وأجهزة الاعلام وكبار موظفي الدولة  منذ يوم 25 يناير فحسب؟ نحن الذين نطعمكم ياسيد شفيق! نطعمكم الشهد، أما أنتم فتطلقون علينا النار، وتطلقون علينا تليفزيون أنس الفقي، وكل عصابات الكتبة في صحفكم النجسة. شفيق يعتذر، لكنه لايقدم اسما واحدا للعدالة من القتلة! يعتذر، لكنه لايقدم استقالته،  حتى بعد أن سمع نفس نداء الملايين الذي أطاح بسيده: ارحل ياشفيق!     
لقد ذكر شفيق وقتها أنه يراقب ثوار ميدان التحرير وأن "رجالته" هناك، وأنه يرى الثوار في مكتبه بالصوت والصورة وكأنه معهم! أي أن جهاز أمن الدولة في كامل لياقته في خدمة شفيق وفي أداء كافة عملياته القذرة، ورغم ذلك فان شفيق لايعرف من الذي يسفك دم الثوار في التحرير وفي كل المدن الثائرة!

ان شفيق يعرف المجرمين، ويحمي المجرمين القتلة. لابد لمصر أن تحاسب شفيق جنائيا على كل العمليات القذرة التي جرت على قدم وساق طيلة فترة رئاسته للحكومة. شفيق مسئول عن القتل والجريمة. لقد قتل شباب مصر. شفيق تآمر ويجب أن يكشف تآمره.
  
نحن لانصدقك يا أحمد شفيق. أنت كاذب وتتستر على القتلة، وتحمي القتلة. ولابد أن تخضع لسيف العدالة.

ذهب الأسواني ليلقى شفيقا وقلبه يتقد بالغضب المقدس الذي يشعر به كل شريف وحي ومكلوم على أرض مصر.  لقد ذهب في الواقع لمحاكمة أحمد شفيق أمام الشعب. وليبلغه أن عليه أن يرحل.

في بداية الجلسة على الهواء، سأل الأستاذ يسري فودة – أحد مقدمي البرنامج – أحمد شفيق سؤالا عميق المغزى ومباشرا: "سمعنا من الفريق شفيق أنه يتبنى ثورة مصر التي بدأت بنواة شباب مصر ثم  شملت قطاعات مصر من أقصاها الى أقصاها. أريد أن اسأل: هل هو فعلا من داخله يريد لهذه الثورة أن تبلغ ماتطالب به حقا، مطلبا مطلبا، حتى تنتقل مصر الى عهد حقيقي جديد؟"

أجاب شفيق: "الثورة تعني تطور مصر، يبقى وأنا مغمض لازم أكون ثورة، تطور مصر، ماتحتاجه مصر، مؤكدا يعني"

هذه بالنص طريقة رئيس الوزراء في الكلام، ومعرفته بالألفاظ والمعاني واللغة العربية أو العامية، ، ومدى علاقته بالفكر والثقافة والفهم، هؤلاء الناس يذكروننا بالمرحوم يونس شلبي وبالانزعاج الشديد لسعيد صالح وهو يتمنى سماع جملة مفيدة، والأهم من كل ذلك طريقته في الكذب المفضوح. شفيق في هذه المبارزة يعلن "وأنا مغمض لازم أكون ثورة"

 عجبا أيها الفريق السابق! وماذا يكون الأمر "وأنت مفتح" ياسيد شفيق؟ اجابة شفيق "وهو مفتح" رأيناها على الهواء من قناة السيد البدوي في مقابلته مع اثنين من موظفي البدوي بالتحديد في يوم ثلاثاء الغضب 1 فبراير 2011، قبل 10 أيام من طرد مبارك، وقبل 30 يوما من سقوط شفيق النهائي أمام منطق الأسواني الصارم.
قال المذيع لشفيق: "نودي بجمعية وطنية لاعادة صياغة الدستور المصري".
قاطعه شفيق متعجرفا ساخرا وهو يقول:"أنا باسأل سؤال ... ايه الحاجات الثورية دي يعني؟ طيب ماينادي بقى بثورة." وبادره المذيع الشاب: وماذا تسمي مايحدث في ميدان التحرير ومحافظات مصر الآن؟
فأجاب السيد رئيس وزراء مصر بارتباك وهو يبذل قصارى جهده البائس كي يبدو مثقفا: " تعبير حاد عن الرأي العام في شكل جماعي .. انت عايز تسميه ثورة .. مش ثورة طبعا... لا .. لا .. مش ثورة طبعا .. مش ثورة ..ثورة يعني على غير ارادتك باجيبك باشيلك باحط ده هنا باجيب ده هنا وبااعين ده هنا وباطرد ده .. دي ثورة.. الشعب 100 الف واحد 200 الف واحد .. أيا كان العدد .. بيعبروا عن رأيهم أو رأي آخرين .." هذا ماقال شفيق في اليوم الثامن للثورة.
تعريف الدكتور شفيق للثورة هو فتح في مجال علم الاجتماع وعلم التاريخ، وعلم سقوط الأنظمة والحكام.

بعد 30 يوما قال شفيق انه "وهو مغمض لازم يكون ثورة. مؤكدا يعني" رغم انها "مش ثورة طبعا". من يكون هذا الرجل؟ من اين أتى هؤلاء الناس الينا؟ أهؤلاء حكمونا؟ ويريدون أن يستمروا في حكمنا؟

يبدو أن الثورة عند شفيق هي فحسب ماقالوه له وهو طفل في مدارس الجيزويت. المقصلة. قطع الرقاب وبحور الدم. غير ذلك، فهي لعب عيال. هايد بارك وبون بون يطلبه شفيق للهايدباركيين من القائد العام للقوات المسلحة. ولا ندري كيف استمع الرجل الجالس في رئاسة المجلس العسكري لهذا الهزل من رجل في السبعين من عمره  ثم أصر أن يستبقيه رئيسا للوزراء لمدة 20 يوما كاملة، منذ يوم سقوط القائد الأعلى، وحتى غداة مبارزة الأسواني؟ استبقاه القائد العام رغم كل نصائحنا واحتجاجنا لديه ولدى المجلس العسكري، أن أزيحوا عنا هذا الرجل وحكومته، انه يشبه تماما مبارك وعمر سليمان، نفس الغباء، نفس الجهل والعجرفة والادعاء، نفس احتراف الكذب وعداء الشعب واحتقاره.  

في 1 فبراير على قناة الحياة شاهدنا وسمعنا مايلي من تصريحات شفيق و"هو مفتح" قبل أن تعميه الثورة، ويكمل الأسواني على حواسه كلها:

"في تشكيل الوزارة، منهجي اللي تلقيت به تلقين واضح من السيد الرئيس: رجال الأعمال، طبيعة ظروفهم، لم نر حاليا انه نموذجي انو رجل أعمال مسئول في شغله ويمارس العمل العام. الاخوة رجال الأعمال مهما كانوا أنجزوا، يمكن لو ماكانوش مشغولين بأعمالهم كان الانجاز حيبقى أكبر."

"أقسم لك بالله، أنا لاأعرف اذا كان وزير الاعلام رجل أعمال ولا لأ."

"أحمد زكي بدر رجل غاية في النزاهة والأمانة والاخلاص، لكن طبيعته فيها شىء من الحدة ... أمانة واخلاص 10 على 10. أمانة مطلقة ومفيش أغراض. ... محتاج أقعد على ايده سنة لما أظبطه في الناحية دي" ... "أقسم لك بالله أحمد زكي بدر انسان نقي جدا وعلى علم، وكويس جدا، لكن ماعندوش ملكة التعامل مع الناس، فأنا با أصالح الناس رحت مستبعد زكي بدر"

"عيشة عبد الهادي أنا أقرب ليها وشايف اذا هي سبب الاعتصام ولا فك الاعتصام..أنا اللي أحسها أكتر من الناس"

"سامح فهمي ايده مغلولة، الأسعار تزيد في العالم ... وتضاف أعباء على وزارته ... الراجل عامل أداء وكله" (تجاهل شفيق تماما سؤال المذيعة عن مسئولية سامح فهمي في صفقة الغاز مع اسرائيل، وكأنه لم يسمعها. بعد أيام أطاحت الثورة "اللي مش ثورة طبعا" بسامح فهمي، ووجد سامح نفسه أمام النائب العام ضمن طابور من زملائه، وهناك اعترف بأن مافعله في شأن غاز سيناء المصري انما تم في اطاراتفاقية كامب دافيد بملحقها الثالث)  

"أحمد ابو الغيط رجل مصري للنخاع ... أحمد أبو الغيط دائما مصر مصر مصر مصر. مفيش حد آل مصر مصر في صيغة حديثه أكتر من أبو الغيط"

 سأله المذيع عما اذا كان ممكنا في اطار حكومة وحدة وطنية أن يستعين بوزير من خارج الحزب الوطني؟
أجاب شفيق: " المنهج ده مش معمول بيه في العالم ... ياتعمل حكومة ائتلافية بقرار واضح المعالم لأن مفيش حزب لوحده نسبته تشكل حكومة ... من غير المنطقي عمل حكومة متخلطة بنسبة ما وانت عندك..." ولم يكمل الجملة!

فسأله: مارأيك في مطلب اعلان الرئيس مبارك عدم دخول الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
أجاب شفيق: " ... مش من حق حد انو يحجب على حد في ترشيح نفسه ... انت مالك ... اتركني للترشيح وقول لأ.
سألته المذيعة: هل ينطبق هذا على السيد جمال مبارك؟
أجاب: على أي حد! هذه أمور الحماس يسيطر عليها ومش حق ولا منطق ... مفيش في الدستور انه قرابة من درجة كذا مايرشحش نفسه بعديها ... مش وارد ... لما فلان يترشح قولي آه أو قولي لأ  وخلاص ... احنا بنتكلم دستور بقى ... والله ما أقصد سين أو صاد أو ده أو ده ... عشان نبقى مثقفين .. ونكون بنتصرف حضاري ... أنا موش عايز كروس (شطب) .. عايز صح.."
قال المذيع أنه تلقى خبرا عاجلا يقول أن مبارك سيتحدث بعد ساعات معلنا عن تنازلات جديدة؟
علق شفيق: "تسمية تنازلات دي لاأحبها"
يقال أنه سيعلن عدم ترشحه مرة أخرى للرئاسة؟
أجاب: "والله لاأعرف ... وحضرتك لا يمكنك أن تقول لأحد لا ترشح نفسك ... ما تنتخبوش"
كم في المائة اخترت من الوزراء؟
"95 في المائة وال 5 في المائة لو خيرت لاخترتهم "
هل عرضت الوزارة على رشيد وغالي؟
"أتحفظ في الرد"
من الذي اختار وزير الداخلية؟
" أنا "
وقد سأله المذيعان كذلك عن أمور أخرى من بينها البطالة وحكم المحكمة بفرض حد أدنى للجور وعن امكانية دفع اعانة بطالة وعن بيان حكومته وعن حل مجلس الشعب، وبوسع القارىء ان اراد أن يعود الى التسجيل الكامل على يوتيوب ليجد ان اجابة شفيق على كل هذه الأسئلة كانت: لا أعرف!

نحن اذا أمام رجل كأنه صنع بطريقة استنساخ النعجة دوللي من مبارك. مبارك مستنسخ على هيئة شفيق. رجل يتحدث عن نخاع أبي الغيط، وتفكيك عيشة للاعتصامات، ونقاء زكي بدر، وتلقين مبارك له، وسامح المغلول، وحق ومنطق ودستورية ترشيح مبارك وترشيح ابن مبارك للرئاسة، ويتهكم على الثورة ويعاديها، ويعلن أن الحزب الوطني حزب اغلبية ولا يحتاج لعمل أي ائتلاف فذلك ضد المعمول به في العالم ... الخ

هذا الرجل الكارثة نصبه مبارك رئيسا لوزراء مصر. وهذا مفهوم، فالرجل دائما يأتي برجال على شاكلته ومقاسه. فلما رحل مبارك "كش مات" كان الدور قد انتهى، وسقط معه وزيره وأفياله، فكيف تصور المجلس العسكري أن قطع الشطرنج هذه ليست مجرد جثث للدفن العاجل؟ انتهى عصر مبارك، فهل راى المجلس العسكري في شفيق رجلا لكل العصور؟ وهل رأى شفيق في نفسه بهلوانا لكل العصور؟ رجل بهذه المواصفات والعقلية والانتماء هل يمكنه أن يكابر أو يمكن لأي احد أن يكابر به ويستثنيه من الدفن في مقبرة مبارك؟ كلهم ماتوا وأصبحوا جثثا، فكيف يصر المجلس العسكري على أن يمدد هذه الجثث على وجه مصر الذي يشرق؟

في ليلة القاهرة 2 مارس، شاهدنا المبارزة على قناة اون تي في. بدا الأسواني وهو الكاتب والطبيب المدني كقائد عسكري من جيش مصر النبيل، صلبا وقويا ونبيلا وشجاعا ومقاتلا، بينما بدا شفيق وهو القائد العسكري والطيار السابق، ناعما ورخوا ونصف ثمل، تتكسر اللغة والكلمات على شفتيه، مخادعا ومداورا.

وأتصور أن الأسواني قد أجاد تماما عرض القضايا الأربع التي جاء ينتصر لها:
1 – التقاليد التي يجب أن يحرص عليها الناس في أمور الحكام ومناصب السلطة. وهنا لايمكن للشعب أن يقبل رئيس وزراء ولا أي مسئول يفرض عليه أويخالف ارادته. كما أن شفيق رجل عبر عن نفسه علنا بالقول وبالفعل بما يناقض ويعادي كل مبادىء وتطلعات وأهداف الأمة التي عبرت عنها منذ 25 يناير، وكان عليه أن يرحل من تلقاء نفسه يوم رحيل مبارك.
2 -  مسئولية شفيق في سفك دماء المصريين. فالمصريون قتلوا بالمئات وجرحوا بالآلاف، وشفيق في موقع رئيس الوزراء، دون أن يحاول حمايتهم وأن يتدخل ضد المجرمين والقتلة. كما أنه أهمل اهمالا جسيما ومشبوها في اتخاذ الاجراءات الفعالة لتحديد الجناة وتقديمهم للعدالة العاجلة وبما يطرح شبهة التواطؤ والتآمر من جانب رئيس الوزراء.

3 – مسئولية شفيق عن حماية جهاز أمن الدولة الذي يطالب الشعب بحله، بعد أن تحول على مدى عشرات السنين الى جهاز اجرامي وتخريبي يعمل ضد مصلحة الوطن والشعب، واستمرار حماية رئيس الوزراء لهذا الجهاز تعني مسئوليته عن كل العمليات الاجرامية والقذرة التي مازال الجهاز يقوم بها. وكذلك مسئولية رئيس الوزراء عن استمرار اختفاء وظائف الأمن العام منذ توليه لمنصبه.

4 – أن تقوم العلاقة بين الحكام والشعب على أساس الندية والمساواة والاحترام. وقد قدم الدكتور علاء الأسوني مثلا عمليا في صون الكرامة و في الدفاع ضد كل صور الغطرسة والعجرفة والاهانة والقهر والخداع والمناورة والمداورة التي أبداها شفيق، مما اعتاده الحكام وموظفي السلطة في مصر.

وأود مواصلة شرح هذه الاستنتاجات من تلك المناظرة في وقت لاحق.