أبريل 25، 2011

قنا

قنا

في 24 ابريل في جريدة المصري اليوم كتب كل من الدكتور محمد ابو الغار والدكتور مصطفى النجار في نفس الموضوع الذي يثير قلقا وطنيا متزايدا حول تصاعد مقاومة شعب قنا لاستخدام المجلس العسكري نفس أساليب التسلط المركزي القديمة، وفرض حكام للأقاليم دون أدنى اكتراث برغبات الأهالي.

وقنا تبعد عن القاهرة بنحو 600 كم، وعدد سكانها نحو 2.7 مليون قنائى. ولقنا تاريخ وطني في مقاومة الغزاة، ففي عصر مصر القبطية كانت معقلا للمقاومة ضد الامبراطورية الرومانية وقدمت طوابير من شهداء المسيحية الوطنية المصرية، وفي 3 مارس 1799 قام شعب قنا في نجع البارود بمقاومة جيش نابليون بونابرت وأبادوا قوة قوامها 500 فرنسي عن آخرها، ومنعوا تقدم الغزو الفرنسي لمصر. 

وقد افترض الدكتور محمد أبو الغار أن مايجري في قنا هو جريمة كراهية وتعصب ديني اقترنت بعدوان على المرافق والممتلكات العامة، واعتدت على هيبة الدولة، وأنها تشكل امتدادا لجملة من جرائم الكراهية مثل هدم كنيسة قرية صول، وقطع أذن مدرس قبطي، ولام المجلس العسكري اذ لم يتخذ اجراءات حازمة وعاجلة في اطار القانون.

أما النجار، فقد سافر الى قنا وأرسل الينا الجزء الأول من شهادته في موقع الحدث، ومنه نستنتج أن مايجري في قنا هو من توابع الزلزال الثوري في شمال مصر، والذي لم يمتد الى الجنوب في حينه، وقد قدمت شهادة النجار مايمكن أن يكون تفسيرا جزئيا لتخلف قنا – وربما الصعيد عموما – عن اللحاق بالمد الثوري في الشمال وهو في أوج اندفاعه، فقد قامت سطوة ميلشيا الحزب الوطني من البلطجية المسلحين بما عجزت عنه قوات وقناصة وبلطجية مبارك وحبيب العادلي في مدن الشمال، فتمكنوا من ارهاب الشعب في قنا تحت تهديد السلاح، وأمكنهم فعليا اجهاض أي حشد جماهيري على نطاق واسع.

لقد لاحظنا مبكرا خلال انفجار الثورة أن الصعيد، والريف في عموم مصر، كانا يثيران التساؤل في أذهاننا: أين الصعيد؟ وأين الفلاحون؟ بل أثير أيضا التساؤل: أين الطبقة العاملة المصرية في المناطق الصناعية الضخمة؟

وقد حدث أن قطاعات عريضة من الطبقة العاملة الصناعية المصرية قد انضمت للثورة في الأيام الأخيرة قبل سقوط الديكتاتور، وكانت هذه الرسالة بليغة لدى من يهمهم الأمر، ونظن أنها كانت من أقوى العوامل التي دفعت بالمجلس العسكري أن يحسم أمره ويذهب لاقناع الديكتاتور أن يرحل.

ومنذ ذلك الحين جرت في النهر مياه كثيرة، فقد توالت الضربات التي فرضتها قوى الثورة في الشمال، وتوصلت الى حل الحزب الوطني ومصادرة أمواله ومقراته، كما تساقط كالذباب رجال مبارك في قبضة العدالة بأحط التهم، الى أن سقط مبارك نفسه ووولداه في يد العدالة سقوط المجرمين الذين لامهرب لهم.

ليس للثورة شكل واحد. فنموذج النضال السلمي الواسع لجماهير المدن كان الالهام التونسي للمصريين، خصوصا وقد أثبت هذا الشكل للنضال فعاليته، فهو الذي اقتنص اول جائزة حقيقية للشعوب من مخالب حكامها الفاسدين في وطننا العربي المنكود، الذي يجلله تاريخ طويل من القمع والفساد وفشل الجماهير والنخب. لقد هرب بن علي. مئات المرات كنا ندير فيديو ذلك المحامي التونسي الباسل الذى خرج وحيدا في شوارع عاصمته الجميلة المقفرة، والتي ازدادت جمالا،  ليهدي الانسانية هذا الشدو والنبأ الرهيب: بن علي هرب! فلتسعد الانسانية، ولتعد الشعوب النظر في نفسها، وتكتشف قواها الجبارة. كان نداء مسكرا، مليئا بالوعد: بن علي هرب! تلقفته القاهرة والاسكندرية والسويس ومدن طيبة أخرى في وطننا، لتنهض من التابوت، وتدمج الملايين في ثورة سلمية، تحقق نصرا فريدا، يمجد الانسان في كل العصور.

ميدان التحرير، تملؤه تلك الكتلة العبقرية من العقول والدماء والحياة والارادة والانسانية. تحتل الميدان حتى الموت أو النصر. فديكتاتورية مركزية دموية غاشمة سوداء وظلامية الى هذا الحد، اقتضت من أجل اقتلاعها كتلة مركزية جبارة من البشر الى هذا الحد. حين ننظر الى الصورة الشهيرة لميدان التحرير وقد أصبح مجرة من البشر، تحتكر براءة اختراع مصرية في تاريخ النضال الانساني، يبدو لنا المشهد فريدا ولاسابق له، ويشبه صور المجرة، وأساطير الخلق، أو حسب التعبير الجميل لهيكل العجوز وهو دامع العين، متهدج الصوت: رأيت مولد النجوم. نعم أيها الشيخ العزيز، هذا مولد النجوم، وسر مصر في قدرة الخلق الأبدي. فمصر لاتموت.

وفكرة الثورة وروحها لاتحل في العقول والأجساد في وقت واحد، كما أن البشر مختلفون، وظروف حياتهم مختلفة. لكن مصيرهم جميعا أن يثوروا، فهذا قدر مصري في هذا الزمن. من هذا الاختلاف في التوقيت، والاختلاف في الظروف تختلف أشكال ثورة الجموع وزمنها. هناك فكرة ثورية وروح ثورية دبت في هذا المجتمع الذي كان يبدو كجثة في طريقها الى التحلل.

فعلى سبيل المثال، بينما اتجهت كتلة تاريخية من الشعب الى ميدان التحرير واحتلته، واكتشفت أن عليها أن تستمر وأن تجتذب الجميع الى هنا وتحشدهم حتى الموت أو النصر، اتجهت في صمت وفي تصميم وفي نفس الوقت كتل هائلة أخرى الى أماكن محددة تعرفها جيدا لتدمرها جميعا. درج المتحدثون من البوليس وغيره أن يصفوا هذه الكتل التي هاجمت مقرات البوليس ودمرتها على أنها من البلطجية. ونحن لانظن هذا. فالبلطجية في زمن السادات – منذ رشاد عثمان – وفي زمن مبارك، أصبحوا من أحباب جهاز الدولة، أصبحوا موظفين لدى رجال الحزب والمال والبوليس. ولا أظن أن الكتلة السكانية من هذه الحثالة التي ظلت خارج نعيم أجهزة مبارك ورجاله هي كتلة كبيرة بأي شكل. كان العمل والرزق بالنسبة اليهم وفيرا في جمهورية البلطجة المصرية التي حقق مبارك كمالها. بالطبع هناك ممن أصبحوا من محترفي الجريمة أعداد لم تصبها بركة جمهورية البلطجة، وأصابتها فظاعة زبانية المباحث والبوليس والنيابة والقضاء ومصلحة السجون والمجتمع نفسه، ولهؤلاء ثأر تقليدي مع جلاديهم، لكني أظن أن الكتلة الأساسية ممن هاجموا ودمروا مقرات البوليس لم تكن من محترفي الجريمة، فمن كانوا اذن؟ لقد كانوا ممن وقعوا ضحايا جرائم البوليس الفظيعة على مدى الزمن. كم خالد سعيد شهدت مصر في العقود الماضية؟ كم من الناس سجنوا ظلما وعذبوا في جرائم لم يرتكبوها؟ السجل حافل. وجهاز البوليس في مصر هو الجهاز الذي يشعر المصريون العاديون ازاءه  بأشد مشاعر الكراهية. فما بالنا بضحاياه الأبرياء الذين يعدون بالملايين؟

رأينا شكلا سلميا للثورة في كتلة ميدان التحرير، وشكلا عنيفا للكتل التي ذهبت لتعاقب البوليس وتطلب ثأرها. وحجم الدمار غير المسبوق الذي لحق بمقرات البوليس يبرهن أن هذا التصميم يبدو أبعد مدى بكثير مما يمكن أن يقوم به من تبقى من محترفي الجريمة الذين فاتهم قطار التجنيد في جمهورية البلطجةالرئاسية.

وما أن رحلت، الى حين، كتلة الميدان الجبارة بعد سقوط الديكتاتور، حتى كانت الفكرة والروح الثورية قد مست قطاعات تتسع كدوامات المحيط تطالب بآلاف المطالب في كل فروع الصناعة والخدمات وجهاز الدولة والجامعات والنقابات الخ. واتخذت الحكومة والمجلس العسكري موقفا ديكتاتوريا مشينا حينما سنوا قانون تجريم الاضرابات والاعتصامات. وهذا القانون وغيره من القوانين والاجراءات ،مثل تعديلات قانون الاحزاب المعادي لحرية التنظيم فعليا، ومثل الاعلان الدستوري الهجين، هي كلها مما يتعين على الثورة أن تشلها وتجهضها وتسقطها.

ثم امتدت الثورة الى قنا حين نضجت الظروف ليثور الشعب هناك، وتوفر المفجر المطلوب لخزان البارود الممتلىء. لقد ذكرت شهادة النجار أن ثوار الشمال قد أرسلوا رسالة منقوشة على قطار تلوم شعب قنا عن تخلفه في الانضمام الى الثورة في الشمال. ولا شك أن الضربات التي سددتها الثورة الى أعداء الشعب في شهر ابريل 2011 قد فعلت فعلها وقوت عزيمة أهل قنا وملايين المصريين في كل مكان، فانجازات الثورة الملموسة وانتصاراتها هي ملهم عظيم للحركة الثورية نفسها، وكذلك تفعل النكسات والضربات التي تلقاها طغمة مبارك ورجاله وحزبه.

جاء المفجر بتعيين لواء بوليس كمحافظ جديد لقنا. نفس السياسة المتبعة منذ 60 سنة بتعيين رجال أمن أو ضباط جيش في كثير من المحافظات. مايسمى وزير التنمية المحلية – وهو منصب ووزارة يجب أن تلغى – كان ضابط مخابرات سابق في وزارة نظيف، وهو محمد عبد السلام المحجوب، ثم مع وزارة شفيق تم تعيين اللواء محسن النعماني وهو ضابط مخابرات سابق أيضا ومن رجال عمر سليمان ومبارك ومما تقول مصادر صحفية أنه ممن عملوا بوجه خاص في الملف القذر الموكل لعمر سليمان والمتعلق "بوساطة" مصرية بين اسرائيل والفلسطينيين.  ثم احتفظوا به في وزارة شرف بعد الاطاحة بشفيق. وكان قبل الوزارة محافظا لسوهاج. وهو اختيار له دلالة بالغة السوء، فهو استمرار لوضع رجال مخابرات وبوليس في هذه المناصب، كما أنه اصرار على أن يكونوا كذلك من رجال مبارك وعمر سليمان.

محافظ قنا الجديد عماد ميخائيل بالاضافة لكونه من لواءات البوليس الذين عملوا في الجهاز الأمني في عهدي السادات ومبارك، وهؤلاء قد أصبح الموقف الشعبي الرافض لهم بالغ الوضوح، فهو قبطي، وتم تعيينه ليخلف محافظا قبطيا هو اللواء مجدي ايوب اسكندر الذي ظل في منصبه اكثر من 5 سنوات رغم اخفاقه في الحصول على تأييد شعب قنا بما فيه المسيحيين والمسلمين. اختيار خطأ وفي المكان الخطأ وفي الظروف الخطأ. كأنه تماما عقل السادات أومبارك، يسعى الى استثارة التعصب الديني لينشغل الناس في هذا الكابوس، ويستمر الفساد ومبررات كبت الحريات. أو لينشغل الناس عن القضايا الجوهرية في حياة الوطن ومستقبله، لصالح تدمير الذات الوطنية الواحدة بالكراهية والتعصب الديني المجنون.

ان تعيين هذا الرجل وفي هذا المكان وفي هذه الظروف هو دليل على خلل فادح في أهلية وكفاءة متخذ هذا القرار، وهو مايجب أن يحاسب عليه علنا. فهذا يعكس عدم فهم تام للاوضاع في هذا المكان، أو يعكس سوء نوايا شيطاني، وهو ماينبغي ان يخضع للتحقيق على الفور.

وتفيد شهادة النجار أن تداخل عوامل ركوب الموجة الذي دأبت عليه زمرة الاخوان وحلفاؤها من هذه المسوخ الهاربة من القرون الوسطى، وهو مايعتمدون عليه لخلق شعبية ونفوذ في أوساط البسطاء، باستغلال الأزمات ودفعها بخبث الى التأزم أكثر، طالما أن ذلك يكفل لهم أن يظلوا في بؤرة الحدث، ويحقق لهم زعامة دينية سياسية، فباستيلاء هؤلاء على المنصة أمام مبنى المحافظة، كان يكفي أن يقولوا محرضين "عايزينه مسلم" لكي يتمكنوا من أن يزيفوا للجماهير مطلبا لاينتمي اليها ولا تنتمي اليه، مطلبا يسقط فوق رأس هذه الجماهير المسحوقة والمهمشة واليائسة وكأنه سبيل النجاة والتقرب الى الله. كان مبارك مسلما. فماذا فعل بنا؟ وملك آل سعود وبشار وزين العابدين وعلي صالح والقذافي وملك البحرين وكلهم، ليس منهم مسيحي واحد.

معركة شعب قنا هي نفس معركة الشعب المصري بأسره، الكفاح ضد الديكتاتورية والفساد والتخلف والفقر، وبناء مجتمع ديمقراطي حر عادل متطور. وفي حالة هذا المحافظ، فان رفضه يكون لسبب جوهري، حتى ولو لم يكن من رجال البوليس: لأنه مفروض على الشعب، فالشعب يجب أن يقرر بنفسه حكام الأقاليم، بالانتخاب الحر.

أما سلوك الحكومة في هذه الأزمة فهو دليل على تخبط مذهل. فقد أرسلوا اللواءين، العيسوي والنعماني فأثبتا فشلا ذريعا في التعامل مع الموقف. وصرح النعماني في الصعيد الجواني بأنه لن يفرض على شعب قنا محافظ يكرهه، ولما عاد الى القاهرة نسي هذا الكلام، واستعاد حواس عملاء المخابرات وأخذ يتكلم عن أن هؤلاء الناس خارجون على القانون، وأخذ يدافع عن عماد ميخائيل بوصفه "قيادة وطنية مارست عملها في وطنها باخلاص لسنوات طويلة" وفي الواقع فان مثل هذه الأوصاف لو كانت صحيحة لزج به العادلي في السجن على الفور، فجهاز العادلي ومبارك لم يكن ليقبل أبدا مثل هذا الانحراف عن أخلاقيات أجهزتهم لا من عماد ميخائيل ولا من عماد حمدي. ثم اننا نشعر بالدهشة أن النعماني رجل مبارك وعمر سليمان والتعامل مع الصهاينة هذا يمكن أن تكون لديه أي قدرة باقية على الاحساس والتقدير لأشياء جميلة وسامية كالوطنية. 

بقي أن هذا الرجل حاول أن يكذب وأن يخدع مذيع قناة الحياة، يوم 20 ابريل، فذكرأن ميخائيل كان يخدم في ادارة التهرب الضريبي قبل 25 يناير وبالتالي فلا علاقة له بالاعتداء على المتظاهرين،  ففاجأه المذيع بأن ما يعرفه هو أنه خدم
في التهرب الضريبي لمدة 5 أيام فحسب، فارتبك الوزير الكاذب حتى أصابه سعال عصبي وابتسم ابتسامة صفراء وهو يكذب من جديد ويقول للمذيع أن هذه معلومة جديدة بالنسبة اليه، وحاول الوزير الالتفاف على الملاحظة والاستمرار في الكذب بأن قال انه يعتقد انه عموما لم تكن هناك أحداث في الجيزة، الأحداث كلها كانت في ميدان التحرير، أي أنها كانت تابعة لمديرية أمن القاهرة وليست مديرية أمن الجيزة.

والواقع أن الجيزة كانت احدى بؤر الأحداث الثورية منذ يوم 25 يناير، وفي يوم جمعة الغضب فقد جرى الاعتداء على الدكتور البرادعي بمدافع المياه والقنابل المسيلة للدموع في ميدان الجيزة، وأصيب الدكتور محمد أبو الغار بضرب العصي الكهربية في ذراعه، وقام البوليس بهجوم وحشي على المتظاهرين في الجيزة استمر 6 ساعات في هذا اليوم، حسب شهادة الدكتور محمد ابو الغار المنشورة في الأهرام، حتى جاء الآلاف من شباب العمرانية والطالبية الأبطال واقتحموا خطوط الأمن المركزي وفتحوا الطريق أمام المتظاهرين الى ميدان التحرير. وكان اللواء عماد ميخائيل يقوم بدوره "كقيادة وطنية .. باخلاص" في مديرية أمن الجيزة طوال الوقت، وحتى شهر ابريل 2011، لكن النعماني المسكين فقد الذاكرة وهو يحاول أن يغطي هذا المحافظ البوليسي الذي شارك في قمع الثورة، والذي يكافئونه بترقيته، وينتظرون منه أن يكمل عمله المشين في محافظة قنا. لابد أن نطلب من ائتلاف الضباط الشرفاء أن يبحثوا عن أدلة وشهود على دور اللواء عماد ميخائيل ليمكن تقديم بلاغ الى النائب العام لينضم الى باقي رجال العادلي. وليمكن كذلك توجيه الاتهام الى محسن النعماني الكاذب وتقديمه للعدالة.

واستمر أداء الادارة في الانحدار أكثر فأكثر وهم يرسلون الى قنا بالبعثة الكئيبة لمشايخ اللحظة: محمد حسان وصفوت حجازي مصحوبين بالمشبوه عدو الثورة مصطفى بكري. تخبط غريب وأداء هابط الى درجة محيرة من هذه الادارة. من ياترى يكون مخرج هذا الفيلم الهابط؟

والأمر في قنا له ملامح تزيد من تعقيد الموقف، فقبائل العرب والهوارة والأشراف لها تاريخ في المنافسة والكراهية المتبادلة والنزاعات من كل صنف.  وما أن تلوح فرصة حتى تندفع هذه الجماعات لتحويلها الى انتصار لكل منها على الأخرى، بصرف النظر عن سلامة المواقف. وقد فاقم هذا من تعقيد الموقف بوجود البعد القبلي بالاضافة الى أصحاب خطاب الكراهية المحرضين من الاخوان وباقي زمر المشتغلين بالاسلام، وأعداء الثورة من اتباع الحزب الوطني المنحل والحكم السابق. كل هؤلاء جاءوا ليحرفوا مسار الثورة التي فجرها قرار القاهرة الخاطىء بتعيين محافظ قنا.

انني أتفق تمام الاتفاق مع الدكتور محمد أبو الغار في دعوته الادارة الى أقصى حزم في اطار القانون في التعامل مع جرائم الكراهية الدينية وخطاب الكراهية الدينية. بل اني أنادي باعداد قانون خاص لجرائم الكراهية ولخطاب الكراهية، يكون بالغ الصرامة، وتتم المحاكمة أمام القاضي الطبيعي، وينص على عقوبة وجوبية من ثلاثة أجزاء معا وهي الحبس أو السجن مع الشغل مابين عامين الى عشرين عاما، وغرامة مالية مابين مائة الف الى مليون جنيه، وتسجيل اسم المحكوم عليه في قوائم العار التي تكون على شكل لوحة صخرية على أرض ميدان التحرير تنقش عليها أسماء المصريين الذين جلبوا العار على أنفسهم الى الأبد.  

أما للتعامل مع الوضع الحالي في قنا، فلابد على العكس من دعوة الادارة الى الامتناع عن اتخاذ أى اجراء عنيف ضد الثائرين في قنا، والتحذير من أن مثل هذا الاجراء، لو حدث، فسوف يؤدي الى تحرك شعبي واسع لمناصرة شعب قنا ضد اي عمل من أعمال العنف. في نفس الوقت فلابد أن تتراجع الادارة عن تعيين عماد ميخائيل وأن تقوم بالتحقيق العاجل في دوره البوليسي اثناء الثورة وحتى تركه لمنصبه في مديرية أمن الجيزة. ويمكن أن توكل مهمة القيام بعمل المحافظ الى أحد موظفي المحافظة المدنيين بصورة مؤقتة. وتعيين لجنة لتقصي الحقائق من قضاة محترمين ومنهم المستشار زكريا عبد العزيز ابن قنا وتضم عددا من شباب ائتلاف الثورة، تكون مهمتها فحص قرار الادارة بتعيين ميخائيل، ومبرراته، ودراسة تداعيات هذا التعيين التي أدت الى انفجار قنا وتطورات الوضع في المحافظة منذ يوم 14 ابريل، وتقديم استنتاجاتها وتوصياتها.

مثل هذه الاجراءات سوف تؤدي الى خلق مستوى أرقى ومختلف للتعامل مع شعب قنا، وبالتالي الى التراجع عن الاجراءات الصارمة التي اتخذتها حركة الثورة في قنا، وفتح الطريق للتعاون مع لجنة تقصي الحقائق.

وتحسن الادارة صنعا لو بادرت باعلان الغاء قرارات تعيين المحافظين المغضوب عليهم شعبيا، والاعلان مسبقا عن اعادة دراسة كل قرارات تعيين باقي المحافظين، وتقديم قائمة بالمحافظين المؤقتين المقترحين تخلو تماما من أي عناصر عسكرية أو بوليسية، على أن تطرح على الشعب في المحافظات للتعرف على مدى قبول الرأي العام لهم.

لابد من تعلم احترام الشعب، ومن التعامل مع الشعب المصري على اسس جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق