أبريل 21، 2011

مصر ومشرقها العربي

تعليق على مقال الأستاذة نوارة نجم
" نداء الى أصحاب المقاومة الرحيمة .. ماتلعبش على الحصان الخسران .. بشار خلص"


لطالما وصف بالقصور فهم المصريين لسياسة المشرق العربي، وهذا المقال للسيدة نوارة نجم يؤكد استمرار هذا المأزق المصري الصرف. فلم يستطع سعد زغلول وحزبه أن يفهما السياسة في المشرق العربي، مثلما استمر الحال هو نفسه الى حد بعيد في هذا الصدد مع جمال عبد الناصر وخلفائه في حكم مصر. فحين جاء الوحدويون السوريون يدقون أبواب مصر في زمن عبد الناصر فقد خلقوا انتباها جديدا ومبكرا لدى حاكم مصر الوطني الطموح لمسائل المشرق، لكن هذا الانتباه لم يتحول الى فهم لحقائق السياسة والمجتمع والثقافة والقوى والتناقضات والجغرافيا والتاريخ والاقتصاد في سوريا وفي كل المشرق، ذلك الفهم الضروري لوضع سياسات مصرية صحيحة، ولادماج ذلك في اطار مشروع عربي كبير تقوده مصر. ودفعت مصر ودفع المشروع العربي كله ثمنا باهظا لأخطاء السياسة الناصرية بالأساس في مشروع الوحدة مع سوريا، ثم تراكمت الأخطاء السياسية فيما يخص العراق، وشبه جزيرة العرب، ولبنان، وشرق الأردن، وفلسطين. ومهما تحدثنا عن حسن النوايا، فان المعرفة البائسة والملتبسة لعبد الناصر بأمور المشرق والطبيعة الاستبدادية للزعيم الملهم ونظامه البوليسي قد أدت الى سياسة مصرية خاطئة، وفرص ضائعة، ونتائج ضارة لمصر وللمشروع العربي في الزمن الحديث. ثم كان زمن أنور السادات الذي أسفر عن جهل نادر بحقائق المشرق، وسياسة بلغت حد الحماقة، وضربت فكرة المشروع العربي في الصميم، وأدت الى عزلة مصر عزلة مريرة عن مشرقها في نهاية المطاف. كان السادات نموذجا للمصري الجاهل والانتهازي وهو يتعامل مع السياسة العربية. ثم جاء زمن ضلت فيه بقرة من احدى مزارع المنوفية طريقها الى القاهرة فحكمت مصر، ورأينا سياسة الأبقار وقد تحولت بمصر من العزلة الى التفاهة والهوان. والحال أن مصر الراهنة تحتاج الى وضع مبادىء راسخة لسياستها العربية، المشرقية والمغربية، وتحتاج الى تنظيم جهد جبار يسابق الزمن ليحول هذه المبادىء الى حياة زاخرة للمشروع العربي الكبير وللنهوض المصري من التابوت. ووضع المبادىء ونفخ الحياة فيها لايمكن أن يتم الا على أساس معرفة عميقة بالحقائق العربية. وفي حدود هذا التعليق، نرى أنه من غير الملائم أن يوضع موقف حزب الله في تناقض مع الأخلاق اذا لم يعبر فورا عن ادانته لسفاح دمشق. ومن الخطأ أن نرى في انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية امتحانا لحزب الله أو للمقاومة الفلسطينية، بل ان الامتحان هو للشعب السوري البطل نفسه، ولجلاديه البرابرة الفاسدين. ولا يعني صمت حزب الله عما يجري في سوريا فسادا في ضميره، أو تراجعا في شجاعته وجسارته، أو خيانة للشعب السوري. حزب الله عليه أن يحافظ على نفسه كأعظم حركة مقاومة وطنية شعبية مسلحة في العالم العربي، حركة تذكر بأمجاد جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وتلهم الشعوب العربية بأسرها أن النضال ضد العدو الهمجي المتفوق عتادا ممكن، وأن هزيمته ممكنة، وأن انتصار الشعوب العربية في نضالها ضد الصهيونية وضد الاستعمار الاوروبي والأمريكي ممكن. هكذا رأينا حزب الله في الميدان، وهو يبدو كأنما يحارب العالم بأسره، أعداءه وبني قومه من الملاعين، وقوى الشر الدولية من كل نوع، وهو يبدو بطلا وحيدا أسطوريا. لم يصفع أحد خنوع حكام العرب الفاسدين ويعريهم من ورقة التوت مثلما صفعهم نضال حزب الله وانتصارات حزب الله. وأمام أعين الشعب السوري كان نموذج نضال حزب الله يفقأ عيون حكام دمشق منذ أعلن حافظ الأسد أن تحرير الجولان هو من شأن الأجيال المقبلة! أما جيل حافظ وورثته، وجيش المرتزقة التابع لهم، فلهم فحسب أن يستمتعوا بنهب الشعب السوري وجلده، وادعاء الوطنية، والتطفل على المقاومة، واستخدام أكثر قواميس الدعاية فجورا في كذبها. لهذا فان لحزب الله أن يتخذ من المواقف مايراه للحفاظ على المقاومة وسلاحها في لبنان، وأن تكون سياسته العربية والدولية في خدمة نفس الهدف. ومع انتصار الشعب السوري وظهور قيادة جديدة في دمشق، قيادة وطنية وديمقراطية، سوف يعلن في نفس الوقت ميلاد تحالف جديد لحركة المقاومة في لبنان مع حركة المقاومة في سوريا لطرد الاحتلال الصهيوني من الجولان ومن مزارع شبعا، واحكام الحصار من جديد على عصابة تل أبيب. أما ما يمكننا أن نلاحظه من أجل المستقبل، فهو أن نطالب حزب الله أن يعيش العصر والمستقبل بكامل عقله، وأن يستخلص نصف عقله الذي يغيب في سماوات لاتملك بناء المستقبل، وأن يتبنى ويشيع مبادىء ومفاهيم الحرية، وأن يضع مهمة تطوير جنوب لبنان وشعب ومجتمع الجنوب واقتصاد الجنوب نصب عينيه. فالمقاومة تستطيع أن تضرب المثل، وأن تزرع وتصنع الجنوب ليكون بقعة عصرية مزدهرة.      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق