أبريل 04، 2011

وداعا هشام السلاموني، وسلام عليك!


كان قاسيا من الشاعر زين العابدين فؤاد أن سرب الينا هذا النبأ الحزين. فالشعراء لهم رقة الورود، لكنهم لاحيلة لهم في أشواكها أحيانا. وحده هشام، كان شاعرا بلا أشواك، وكانت له ورود كثيرة. كنت أراه يخطو وهو في نحو الثانية والعشرين كدب طيب على الطرقات الكثيرة للقصر – قصر العيني – ساهما، وكراسته تحت ابطه، تسبقه نظارتاه، وابتسامة خفيفة راضية، وملامح لاتكف عن التساؤل، وعينا انسان حي. اذن فقد رحل هشام، وياحزني عليه. رأيته أول مرة في عام1971 على مسرح كلية الطب ممثلا ومخرجا مبدعا لمسرحية يوسف ادريس "الفرافير". ثم رأيته شعلة لاتهدأ في الحياة الثقافية لكلية الطب ولجامعة القاهرة وفي صفوف الحركة الطلابية الوطنية التي هزت مصر وعبرت عن ضميرها وعن ارادة المقاومة فينا في عامي 1972 و 1973. وكما صاغ زين العابدين المسألة بالتحديد فقد كان هشام: حالة انسانية خاصة. فالحركة الطلابية هبت لمقاومة تلاعب أنور السادات بالقضية الوطنية المصرية، واستمرار النهج الديكتاتوري في الحكم، واتباع سياسة اقتصادية جديدة تؤدي الى تصفية وتبديد مصادر القوة الاقتصادية الوطنية التي بنتها مصر بعرقها ودموعها أيام عبد الناصر. كانت الحركة الطلابية الوطنية تنادي بتحرير سيناء كجزء من الاستقلال الوطني والكرامة والمصالح الوطنية التي يجب صيانتها، وكانت تنادي بدستور ديمقراطي وجمهورية برلمانية واطلاق الحريات السياسية والنقابية، وكانت تنادي بحماية الثروة الوطنية وتطوير الاقتصاد الوطني و وتحويله الى اقتصاد حرب، وحماية الشعب من الافقار في مواجهة غيلان طبقة طفيلية جديدة أطلقها السادات. كانت معركة ضارية استخدم فيها السادات آلته البوليسية المتوحشة، ودفع الى الجامعة بجماعات همجية من عملاء أمن الدولة وجماعات أطلقت على نفسها "شباب الاسلام" استخدمت الأسلحة البيضاء في الهجوم على مناضلي الحركة داخل وخارج الجامعة، كما استخدم السادات كل طاقة ماسبيرو في الكذب والتشويه في اوركسترا مع عملاء النظام في الصحافة.  ما أشبه الليلة بالبارحة! رهافة الاحساس وقلب الطفل و طبيعة الفنان جعلت من الدكتور هشام السلاموني رجلا لايستطيع احتمال كل هذا العنف الذي لامفر منه في مجرى الصراعات الكبرى. كان يجفل من عنف الألفاظ وعنف الأسلحة، ويحلم بصفاء الحياة يوما. وعاش ما عاش كل خيبات أمل هذا الجيل الذي فتح عينيه على العدو النجس وهو يدنس شاطىء القناة الشرقي في 1967. ثم على أنور السادات يعلن بيجن صديقا ويندفع الى بيع هضبة الأهرام ويسعى لمد النيل الى صحراء النقب والى منح شارون أرضا حول السد العالي ليزرعها، ثم عاش كل عهد مبارك الذي واصل سياسة السادات حتى ظن أن بوسعه أن ينصب ولده الكئيب المشئوم على عرش مصر ليواصل مسيرة ابيه. في ظلال كل هذا الجنون الذي أنشب مخالبه في مصر عقودا كان هشام يسعى في صفوف حركة كفاية ويزرع شوارع عين الصيره ليدعم صديقه المناضل الطلابي القديم الفذ أحمد عبد الله وهو يحاول عبثا أن يجد مكانا له في أحد برلمانات مبارك في احدى معارك الانتخابات المحسومة النتائج دائما سلفا، وبعدها بقليل ترك أحمد الحياة وقرأت مرثية هشام لأحمد. وتشبث هشام بالحياة حتى رأى ملايين المصريين يملأون ميدان التحرير معا بصوت القدر، وحتى رأى الرئيس الذي أفسد وفرط في بلاده وشعبه ومصالح بلاده وهو يرحل ذليلا منبوذا بأمر المصريين وقد صاروا قدرا. ورغم ذلك، فقد أغمض هشام عينيه على قلق وطني عظيم، وجاء دورنا لنرثيه، ونرسل اليه زهورا، ونستمر نحن أيضا لبعض الوقت، نحاول أن نزيح هذا الكابوس الفظيع عن صدر مصر، وربما كنا أسعد حظا حين نغمض أعيننا، فلا نغمضها على قلق. لقد فقدناك ياهشام، وافتقدناك كثيرا، وسوف نفتقدك اكثر منذ اليوم. وداعا هشام، وسلام عليك!   
أحمد صادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق